رسمة القديس باتريك على الذجاح

سنتناول بشكل موجز قصَّة أحد المبشِّرين المسيحيِّين الذي عاشَ في القرن الخامس، وكان له الدَّور الرَّئيسي في توصيل رسالة المسيحيَّة إلى أيرلندا.

عاشَ خادِم الرَّب القدِّيس باتريك في القرن الخامس للميلاد. وُلِدَ في عائلة مسيحيَّة، ثمَّ أُسِرَ وهو في سِنّ الشَّباب وسِيقَ كعَبدٍ إلى أيرلندا مع آخرين. خدَمَ لدى سَيِّده لمدَّة سِتّ سنوات كراعٍ للمواشي، وبينما كان يرعى قطيعهُ في الحقول المُنعزلة، بدأ يفكَّر أكثر بالإيمان الذي تعلَّمهُ في صِغره، ويَتوق لخدمة الرَّب.

هربَ من العبوديَّة إلى فرنسا، واستُعبِدَ فيها مرَّة أُخرى لفترة قصيرة، وهناك رأى حُلماً فيه رَجُلاً يُدعى “فيكتوريكوس” سلَّمهُ عدداً لا يُحصى من الرَّسائل من سُكَّان أيرلندا، وتوَسَّلَ إليه كي يذهب إليهم ويساعدهم هناك. أطاعَ باتريك هذه الرؤيا معتبراً إيَّاها أمراً إلهيّاً، وعلى الرَّغم من خطَر عودته إلى تلك البلاد التي استُعبِدَ فيها، وخطَر الوثنيِّين عليه، إلَّا أنَّه كرَّسَ ما تبقَّى من حياته في تبشير أهل أيرلندا، وهكذا اهتدى الآلاف منهم على يديه وتعمَّدوا خلال أعوام 440 إلى 493 م. في بلاد كَثُرَت فيها العبادة الوثنيَّة التي ترتكز على الشَّعوذة والسِّحر ولا تعرف الرَّحمة.

زرعَ باتريك كنائس ورسمَ أساقِفة في كل مكان آمنَت فيه النُّفوس. كان لباتريك تأثيراً كبيراً على كنيسة أيرلندا حتّى بعد موته، فحين كانت إنجلترا وفرنسا في فترة تخبُّط بين الوثنيَّة والمسيحيَّة، كان الأمر مختلفاً في أيرلندا إذ يقول المؤرِّخ فيليب شاف: “خلال القرنين السَّادس والسَّابع تفوَّقت أيرلندا على جميع البلدان الأُخرى في التَّقوى المسيحيَّة واكتسبت اِسم (جزيرة القدِّيسين).”1 وقد أَنتجَت أيرلندا مُرسَلين كُثر متمثِّلين بمن بشَّرَهم برسالة الإنجيل. وإلى يومنا هذا يُحيي مسيحيُّو أيرلندا في 17 آذار من كل عام ذكرى تاريخ وفاة القدِّيس باتريك.

من الجدير بالذِّكر أنَّ الأخبار التي تتحدَّث عن إرساليَّة كنيسة روما للقدِّيس باتريك هي أخبار لاحِقة، كُتِبَت خلال القرن التَّاسع، وهي غير مؤكَّدة نظراً لأنَّه لم يذكُر هو ذلك في كتاباته ولم يُلمِّح أبداً لإرساليَّة كنيسة روما لهُ. كما أنَّ كنيسة أيرلندا لم تكُن حينها تتبع ليتورجيا الكنيسة الرُّومانيَّة، ولم يحصل ذلك إلى بعد الغزو النورماندي في القرن الحادي عشر.

evangelism in arabic

هذه تسبيحة كتبها باتريك

“أُخضِع نفسي اليوم لقوَّة الله كي تُرشدني، قُدرتهِ لتدعمني، حِكمته لتُعلِّمني، عَينه لتُراقِبني، أُذنه لتسمعني، كلمته لتعطيني الكلام، يده لتحميني، ليهديني في طريقه ويسير أمامي، دِرعه ليسترني، وملائكته ليدافعوا عنِّي ضدّ فِخاخ الشَّياطين، ضدّ إغراءات الخطيَّة، ضدّ الشَّهَوات، ضدّ كل شخص يريد أن يؤذيني، سواء كان بعيداً أو قريباً، وسواء كانوا كُثر أم قلائل.

أتحصَّن بكل هذه القوَّات، ضدّ كل قوَّة متوحِّشة مُعادِية (شيطانيَّة)، موجَّهة ضدّ جسدي وروحي، ضدّ تعويذات الأنبياء الكذَبة، ضدّ التَّشريعات الوثنيَّة السَّوداء، ضدّ قوانين الهرطَقة الكاذبة، ضدّ خدَع عبادة الأصنام، ضدّ سِحر المشعوِذات والعرَّافين والكهَنة (الوثنيِّين)، ضدّ كل نوع معرفة يعمي ويُقيِّد روح الإنسان.
المسيح يحميني اليوم ضدّ السُّم، ضدّ الحرق، ضدّ الغرَق، ضدّ الأذِيَّة، لأُكمِّل خدمتي له وأنال أجراً وافراً. المسيح معي، المسيح أمامي، المسيح خلفي، المسيح بداخلي، المسيح تحتي، المسيح فوقي، المسيح عن يميني، المسيح عن يساري، المسيح في بيتي، المسيح في طريقي، المسيح في سَفينتي، المسيح في قلب كل إنسان يفكِّر بي، المسيح في فم كل من يتكلَّم معي، المسيح في كل عين تراني، المسيح في كل أُذن تسمعني.

أنا أُخضِع نفسي اليوم للقوَّة القديرة عندما أذكُر الله الثَّالوث بوحدانيَّته، الخالق. فالخلاص هو من الرَّب، الخلاص هو من المسيح، وخلاصك يا رب يكون معنا إلى الأبد.”

تُعلِّمنا قصَّة القدِّيس باتريك مدى أهميَّة العمل الإرسالي ودَوره في امتداد الملَكوت. فالكِرازة هي مهمَّة كل مؤمن مسيحي، ويجب أن يُساهِم بها بحسب الطُّرق المُتاحة له. والرَّب الذي كان مع المُرسَلين القدماء واستخدمهم في نشر البِشارة هو نفسه معنا اليوم، فلنتسلَّح بهذا الإيمان ونهاجم حصون مملكة الظُّلمة مُتيَقِّنين أنَّ أبواب الجحيم لن تقوى على شعب الرَّب.

الكاتب: الأخ فرح

Minister & Theologian


مقالات مُشابِهة

سمو الله فوق الخليقة.. صلاة للقديس باتريك
يا رب، كن معنا في هذا اليوم.. للقديس باتريك
ما هو الإنجيل؟


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.