clouds dark and a wave

درس مُهمّ يُريد الله أن يُعلِّمه لنا من خلال ضيقاتنا، درس يُعتبر من برَكات الضِّيق، سنُنزل عنه السِّتار في هذا المقال.

يبدو هذا العنوان للوَهلة الأولى مُتناقض، لأنَّنا عندما نُفكِّر في البرَكة، يخطُر في بالنا أُمور تُسعدنا، وعندما نُفكِّر في الضِّيق فأوَّل ما يتبادَر إلى ذهننا هو حالة من الألم التي لا يرغب أحدٌ منَّا أن يعيشها. لكن الكتاب المقدَّس يُعلِّمنا أنَّ البرَكة هي كل ما يُساعدنا لكي ننمو أكثر ونُشابه يسوع المسيح، سواء عبر أُمور مُفرِحة أو من خلال الضِّيق.

الكثير من الإجابات مُمكن أن تُقدَّم عن الدُّروس التي نتعلَّمها من الضِّيقات في حياتنا، فالألم كما يصِفه الكاتب C. S. Lewis قد يكون مُكبِّر الصَّوت الذي يستخدمه الله في حياة من هُم صُمٌّ أخلاقيّاً¹، أي أنَّ الله يجعل من الألم الأداة التي يُشعِر بها النَّاس عن حاجتهم له. وقد عبَّر بولُس الرَّسول عن إحدى أهمّ الدُّروس من الألم عندما قال أنَّ ضَعفاتهُ جعلتهُ يشعُر بحاجته إلى الله (كورِنثوس الثَّانية 9:12)، وأدرَك بولُس قوَّة الله من خلال عَجزِه هو عندما لاحَظ كيف استخدمهُ الله مع أنَّهُ آنِية ضعيفة ليَكرِز بواسطتهِ برسالة الإنجيل بين الأُمَم ويضُمّ المؤمنين إلى الكنيسة.

الله يبني المؤمنين بواسطة الألم و يُعلِّمهم عبر تَجارب الحياة أن يثِقوا به أكثر وأن لا يخافوا من الأيَّام. ولا يجب أن نَشُكّ بصَلاح الله حتى لو بدا لنا أنَّ المأزِق كبير وأنَّ المُعضِلة ليس لها حَلّ، لأنَّ إلهنا كُلِّيّ العِلم ومحبَّتهُ لشَعبهِ هي أسمى أنواع المحبَّة.

درس من الغربة

لكن في هذا المقال سنتحدَّث عن درس رئيسي نتعلَّمهُ من الألم، وهو أنَّه عبر تَجرِبتنا لضيقٍ ما فسَوف نتمكَّن من فهم شُعور من يمُرُّون بتجارب مُماثلة وسنقدر أن نُعينهم في ضيقهم. وقد قال الرَّب لبني إسرائيل وهُم في طريقهم ليَسكُنوا أرض كنعان:

“لاَ تَضْطَهِدْ غَرِيباً وَلاَ تُضَايِقْهُ، فَقَدْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي دِيَارِ مِصْرَ.” (سِفر الخُروج 21:22)

لم يكُن شعب الرَّب ليفهم شُعور الغريب في وَسطهم ويُقدِّروه ويتفهَّموه لو لم يكونوا هُم أنفسهم في يومٍ من الأيَّام غُرَباء بل وعبيداً في أرضٍ ليست أرضهُم. فمِن خلال تذوُّقهم للمُعاناة في أرض مصر في غُربتهم التي استمرَّت لأربعمئة سنة، لا شَكّ إذاً بأنَّهُم فهِموا هذا الشُّعور وألِفوه، وبِناءً عليه فإنَّهُم سيَفهمونَ مُعاناة الغريب في وَسطهم، ولن يُشعِروه بصُعوبة موقفه بل سيُحسِنون مُعاملته. يقول أحد المُفسِّرين مُعلِّقا على الآية من سِفر الخُروج المذكورة أعلاه: “دائماً ما يكون طلَب الله من شعبه بحماية الأجنبي (الغريب) مَبنيّاً على ذِكرى الهجرة والمَكانة الغريبة لبني إسرائيل قبل أن يستقِرُّوا في أرض كنعان، كما أنَّ الطَّلب يتوافق مع صورة الله باعتباره الحامي المُطلَق للضُّعفاء وللفِئات الأكثر ضعفاً في المُجتمَع المُعرَّضين لأن تتمّ إساءَة مُعاملتهم”.²

إذاً من خلال الضِّيق علَّم الله شعبهُ دَرساً مُهمّاً وهو أن يكونوا أفضل من الشُّعوب الأُخرى عبر تشبُّههم بالرَّب وبصفاته الحميدة، فالمصريُّون ضايقوا بني إسرائيل حين كانوا نُزَلاء وغُرَباء عندهم، واستَعبدوهم بكل عمل شاقّ، لكن الرَّب يُريد من شعبه ألَّا يتشبَّهوا بالطُّغاة بل أن يتمثَّلوا به كأبٍ حنون لشعبه.

difficult trials
ايات من الكتاب المقدس عن الضيق

قد يُجيزك الرَّب أحياناً بفترة من العوَز، لكن تذكَّر أنَّ الرَّب يُريد منك أن تفهَم شُعور الفقراء وتُقدِّر حاجتهم عندما تعيش في الوَفرة، لكي تستطيع أن تحيا للرَّب في كل الظُّروف ويكون لسان حالك دائماً كما بولُس الرَّسول:

“لَسْتُ أَعْنِي أَنِّي كُنْتُ فِي حَاجَةٍ، فَأَنَا قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ قَنُوعاً فِي كُلِّ حَالٍ. وَأَعْرِفُ كَيْفَ أَعِيشُ فِي الْعَوَزِ، وَكَيْفَ أَعِيشُ فِي الْوَفْرَةِ. فَإِنِّي، فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، مُتَدَرِّبٌ عَلَى الشَّبَعِ وَعَلَى الْجُوعِ، وَعَلَى الْعَيْشِ فِي الْوَفْرَةِ أَوْ فِي الْعَوَزِ. إِنِّي أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.” (رسالة بولُس إلى أهل فيلبّي 11:4-13)

  1. The Problem of Pain. Lewis, C. S.
  2. The IVP Bible Background Commentary: Old Testament. John H. Walton, Victor H. Matthews, Mark W. Chavalas.


مقالات مُشابِهة

هل هناك بركة خاصّة تعطى للبكور؟
البركة الإيرلندية
ترنيمة البركة العربية


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.