هزَّة أرضيَّة حلَّت على المدينة وكانت سَبباً في تخليص نَفس شخص وتغيير مصيره للأبد.
اسمهُ مسعود وهو طبيب مُلحِد لم يؤمن بوجود الله يوماً، وما أكثرهم الذينَ حاوَلوا أن يتحدَّثوا معه ويُخبروه عن تعامُلات الرَّب معهم، ولكنَّه كان دائماً يستهزئ بهم ويقول لهم: إن كان الله موجوداً فِعلاً، فليُثبِت لي ذلك بالدَّليل والبُرهان.
وفي أحد الأيام حدثَت هزَّة أرضيَّة دمَّرت العديد من الأبنِية وحصدَت الكثير من الأرواح، وعَلِقَت الطِّفلة منال ذات السَّبع سنوات تحت رُكام المبنى الذي كانت تعيش فيه مع أهلها. استطاعت فرَق الإنقاذ انتشال الجثث ومن تبقَّى على قيد الحياة من تحت أنقاض المَباني المُدمَّرة. أمَّا منال فاعتُبِرَت من بين المفقودين، وبعد سبعة أيَّام من البحث والعمل ليلَ نهار قرَّر رِجال الإنقاذ التَّوقُّف عن البحث لظَنِّهم أنَّه لم يعُد يوجد أمل بنَجاة تلك الطِّفلة.
لكنَّ أحد رجال الإنقاذ واسمهُ نجيب وهو شخص مؤمن يخاف اللّه، قال لرفاقهِ بإلحاح: ساعدوني هذه المرَّة فقط واربطوني كي أنزِل في هذه الحفرة، فقلبي يُنبِّئني أنَّني سأجِد الفتاة هنا. وافَقوا رفاقهُ على مضَض واشترَطوا عليه أن تكون هذه آخر مُحاوَلة.
نزلَ في الحُفرة وكُلّهُ أمَل في أن يجِدها ثمَّ سمِعَ صوت فتاة تصرخ وتقول: أنا هنا أيُّها العَمّ نجيب، شُكراً لأنَّك أتيتَ لإنقاذي. كانت صدمَة نجيب كبيرة فالطِّفلة تتكلَّم بصوت واضح وكأنَّها سَليمة مُعافاة، ولمَّا صعدَ بها إلى الخارج استقبلَها الجميع بحرارة ودُموع وفرح كبير.
صدمة الطبيب
نُقِلَت الطِّفلة إلى المستشفى حيثُ يعمل الطَّبيب مسعود، ففحصَها ووجدَها سَليمة بالكامل دونَ أيّ ضرَر يُذكَر في جسدها، ثمَّ سألها قائلاً: هل تستطيعينَ إخباري كيف أمضَيتِ السَّبعة أيَّام؟ قالت لهُ: استفقتُ من نومي على أصواتٍ غريبة، ووجدتُ جُدران غرفتي تتهاوى فهرَعتُ لأخرُج من باب الغُرفة، وفجأةً سقط المبنى بالكامل ولم أعرف ما حصل، لكنَّني حين فتحتُ عينَيّ كانَ العَتمُ سائداً والغُبار يعُمّ المكان وكِدتُ أموت من الخوف والسُّعال، فصرختُ عالياً وقُلت: “يا يسوع أنقِذني” وفجأةً رأيتُ نوراً عظيماً يقترب منِّي وسمعتُ صوتهُ يقول: لا تخافي فأنا معكِ. سألتهُ من أنت؟ فأجاب: أنا يسوع. قلتُ له: قدَمي تؤلمني جداً لأنَّها عالِقة تحت الرُّكام، فسحَبها ولمَسها وفي الحالِ شُفِيَت، وهكذا قضيتُ تلك الفترة كُلّها جالسةً في أحضانهِ، فإن جُعتُ أطعَمني، وإن عطِشتُ أسقاني، وحين أغفو كانَ يُخبِّئني بينَ ذِراعيه.
خرجَ الطَّبيب من الغرفة غاضِباً مُتأفِّفاً وهو يقول: ما هذا الهُراء، إنَّها تهذي. لكنَّه تفاجأَ بأحد رجال الإنقاذ يتقدَّم منه ويقول له: هل أستطيع أن أرى الطِّفلة التي أنقذناها منذ قليل؟ أُريد أن أسألها عن شيءٍ ضروريٍّ بعدَ إذنك.
دخلَ الطَّبيب مع الرَّجُل الذي راحَ يسأل الفتاة: كيفَ عرَفتي اسمي وناديتني بهِ؟ أجابته: يسوع قالَ لي بأنَّ ابنهُ نجيب سوف يأتي بعد قليل ليبحث عنِّي، وبأنَّ عليَّ أن أصرُخ كي يعرف مكاني ويُنقذني. فركعَ نجيب أرضاً وراح يشكُر الله ويبكي مُتأثّراً. ذُهِلَ الطَّبيب ممَّا سَمِع، لكنَّه استمرَّ بعِنادهِ وقالَ مُنفعِلاً: كفاكُم تمثيلاً، فيَسوعكُم هذا غير موجود. لكنَّ الطِّفلة أجابته على الفَور: إذاً أنتَ هو الطَّبيب مسعود الذي كان يطلُب بُرهاناً على وجود الله! أرجوك لا تستمرّ في قساوَة قلبك، فيَسوع أخبرَني عنكَ أيضاً وأوصاني أن أُخبِركَ عنه. حينها انهارَ الطَّبيب من معرِفة الفتاة لهذا الأمر، وصرخَ قائلاً: سامحني يا رب، أنا أعترف أنَّك موجود.
في تلكَ الليلة جلسَ الطَّبيب في بيته يبكي ويُفكِّر بكل ما حصل معه، وحين غَفا رأى في حُلمهِ نوراً عظيماً يقترب منه ويقول له: “أنا هو نور العالَم، من يتبَعني فلا يمشي في الظُّلمة بل يكون لهُ نور الحَياة، وأنتَ ابني لأنِّي اليوم ولَدتُك”. فاستَفاقَ من نومهِ ودُموعه على خدَّيه طالباً من الله غُفران خَطاياه ومُسامَحته على جَهلهِ الذي كانَ يُفاخِر به طوالَ عُمره.
العِبرة من هذه القصَّة تكمُن فيما يقوله الكتاب المقدَّس:
“… الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ …” (مزمور 7:95-8)
لذلك صَلِّ للرَّب من كلِّ قلبك واطلُب منه أن يُزيل الغَشاوة عن عينيك كي ترى نورهُ العظيم.
“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلاَمِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ” (إنجيل يوحنَّا 12:8)