قاسَت الأمرَّين في صِغرها، لكن هذه المُعاناة جعلتها حسَّاسة تجاه مُعاناة الآخرين، فكيف كانت تتصرَّف عندما يقف في دربها محتاج؟
يُمنى فتاة ذاقت كل أنواع العذاب والحِرمان في طفولتها ولكنَّها وبمعونة الرَّب كبُرت وأصبحت مُعلِّمة مُجازة تُعلِّم في مدرسة حكوميَّة، وقد كانت تعشق تلاميذها الصِّغار وتُراعيهم وكأنَّها والدتهم وليس فقط مُعلِّمتهم.
كانت يُمنى تزور والدها في السِّجن وتزور قبر والدتها كل شهر دون أن تنسى مساعدة كل محتاج من القليل الذي يتبقَّى معها، تعرَّفت على شاب ثري مجتهد ويخاف الله، وبرغم ماضيها المؤلم وظروف عائلتها تزوَّج منها شاكراً الله على عطيَّته فهو أدركَ ماهيَّة معدَنها الأصيل وعظيم أخلاقها.
وفي أحد الأيَّام لاحظَت يُمنى بأنَّ تلميذة في صفِّها تأتي إلى المدرسة بحِذاء لا كعبَ له، وكانت هبة اِبنة السَّبع سنوات تجُرّ قدَمها جرّاً كي لا ترفع قدمها ويسقط منها الحِذاء، تذكَّرت يُمنى طفولتها القاسِية فالمَرارة التي عاشت بها جعلتها تشعر باحتِياجات الآخرين لأنَّها هي أيضاً كانت مُحتاجة في صغرها.
ملاك الله
بعد انتهاء الدَّوام ذهبت يُمنى واشترت حذاءً جميلاً، وفي صباح اليوم التَّالي حين دخلَت الصَّف قالت: لقد وضعتُ أسماءَ جميعكم في هذا الوِعاء فليتقدَّم عَريف الصَّف ويسحب ورقة لنرى من هو صاحب الحَظّ الذي سيفوز بهذا الحِذاء الجميل! فما كان من الفتى إلَّا أن تقدَّم والدُّموع تملأ عينيه الصَّغيرتين وهمسَ في أُذن المُعلِّمة قائلاً لها: هل تسمحين لي أن أغُشَّ هذه المرَّة فقط؟ فسألته هَمساً: لماذا ستغُشّ؟ قال: لأنّي أُريد أن تأخُذ هبة الحِذاء فهي بحاجته.
فعاوَدت الهَمس بأُذنهِ وطمأنته: لا تخَف فكل الأوراق في هذا الوِعاء تحمل اِسم هبة لأنَّ هذه هي الطَّريقة الوحيدة التي ستُفرِّحها بالحِذاء الجديد دون أن نجرح مشاعرها، فعانقَ الطِّفل المُعلِّمة فرِحاً وقال لها: أنتِ هو الملاك الذي أرسلهُ الله. وبعدها قدَّموا الحِذاء لهبة وفرِحت جدّاً به وصفَّقوا جميعهم لها، وحين انتهت الحِصَّة ودقَّ الجرَس استدعت يُمنى تلميذها المتفوِّق وهو حسام عَريف الصَّف وسألته: لماذا أسمَيتني ملاكاً؟
قال: لأنّي صلَّيتُ كثيراً بالأمس كي يأتي ملاكاً من عند الرَّب ويقدِّم حذاءً لهبة، فقدميها كانت تتجرَّح من حِذائها ولا قُدرة لأهلها على شِراء حذاء جديد لها.
العبرة
هل تعلم بأنَّك تستطيع أن تكون برَكة للآخرين وسَبباً في فرَحهم حتى بأبسَط الأُمور التي قد تُقدِّمها لهم؟ أحياناً يكون من الصَّعب أن نشعر باحتياجات الآخرين إن لم نكُن قد مرَرنا شَخصيّاً بفترة احتِياج في حياتنا، لكن علينا أن لا نتجاهل من هم بحاجة مُساعدة، خاصَّةً إن كُنَّا قادرين على فِعل الخير ورسم الابتسامة على وجوههم، ولنتذكَّر دائماً بأنَّ الرَّب سوف يُكافئنا على ذلك.
“مَنْ يَرْحَمْ الْفَقِيرَ يُقْرِضْ الرَّبَّ، وَيُكَافِئْهُ الرَّبُّ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِ.” (سِفر الأمثال 17:19)