فتاة حزينة ووحيدة

التَّمييز العنصُري والطَّبَقي موجود بكثرة في مجتمعاتنا للأسف، لكنَّه قائم على تمييز زائف لا أساس له إلَّا في أذهان البعض وأفكارهم.

راغدة وغسَّان هما طفلان أحبَّا بعضهما من الصِّغَر، لَعِبا معاً ودَرسا معاً إلى أن أصبحا في سِنّ المراهقة، لكن وفي عمر الثَّالثة عشر قرَّرت والدة راغدة بأن تمنع ابنتها من مُرافَقة غسَّان والاقتراب منه أو حتَّى التَّكلُّم معه في المدرسة.

أحسَّت راغدة بأنَّ قرار والدتها ظالِم ومُجحف وغير ذي حق، لكنها لم تتسائل عن السَّبب ولم تُعِرهُ انتباه يُذكَر في البداية ولم تُطِعه. لكنَّ راغدة تفاجأت أيضاً بأنَّ الأصدقاء الذين كانوا في السَّابق مُقرَّبين منها ومن غسَّان أصبحوا الآن يتجنَّبونه وينزَوونَ عنه. فاستغربت من تصرُّفاتهم وراحت تسأل علَّها تفهم ما الذَّنب الذي اقترَفهُ صديق طفولتها حتَّى صار الجميع يتجنَّبه؟ وحين سألت والدتها راجِيةً أن تشرح لها ما يحصل، أخبرتها أُمّها بأنَّ غسَّان هو طفل مُتبَنَّى وأنَّ لا أحد يعرف أصله الحقيقي أو من أين أتى، ولذلك هي لا تريد لابنتها أن تتعلَّق بشخص ربَّما يكون قد وُلِدَ نتيجة علاقة غير شرعيَّة.

براءة الطفولة

وحين سمعت اِبنة الثَّالثة عشرة بهذا الكلام، اتَّقدت فيها براءة الطفولة وثارت فيها المشاعر البديهيَّة الكامنة في كل إنسان والتي لم تتأثَّر بعد بسُموم المجتمع وأفكار التَّمييز التي يزرعها في النُّفوس. فردَّت على والدتها والدَّمعة تلمع في إحدى عينيها وقالت لها: منذُ نعومة أظافرنا وأنتِ تقرأين الإنجيل على مسامعنا وتُفسِّرينه لنا وتُردِّدين بأنَّه لا فَرق بين يوناني ويهودي، بين عبدٍ أو حُرّ، بين رَجُلٍ وامرأة، لأنَّنا كُلّنا سَواسِية في نظر الرَّب، ولطالما علَّمتِنا أن نُعطي الفقير ونقتسِم خُبزنا مع الجائع، وها أنتِ اليوم تُناقِضين نفسكِ وتضطَّهِدين طِفلاً لمُجرَّد أنَّه مُتبَنَّى ولا أحد يعرف أهله الحقيقيِّين، فهل لكِ أن تُخبِريني ما ذنبهُ هو بكل ذلك؟ وهل هو مَن تركَ أهلهُ وأراد العَيش في كنَف عائلة أُخرى؟هل فكَّرتِ ماذا كنتُ سأشعُر لو كنتُ أنا مكانه؟ اعذُريني يا أُمّي فأنا لم أعتَد على عدم إطاعة أوامركِ يوماً ولم أرفض لكِ طلباً قبل الآن، لكن اسمحي لي هذه المرَّة بأن أقولَ لكِ أنَّني لن أتجنَّب غسَّان بل سأتَّخذه صديقاً لي مدى الحياة، وربَّما يصبح زوجي في يومٍ من الأيَّام وحينها لن أخجل به فلا ذنبَ له بكل ما حدث معه.

العبرة

لا تنظر للآخرين بازدِراء أو بكبرياء مهما كان جِنسهم، دينهم، لَونهم، أو عِرقهم، ولا تعتقد بأنَّك أفضل منهم لمجرَّد امتلاككَ أشياء أو ربَّما امتِيازات هُم لا يمتلكونها، فكُل البشر سَواسِية في نظر الرَّب، وبولُس الرَّسول كان يُعلِّم عن المُساواة التي كان البعض يحاول أن يُرسيها في الكنيسة النَّاشئة حينها، حيث كان يتمّ التَّمييز بين النَّاس بحسب الدِّين الذي كان مرتبط بالهويَّة، فقال بولُس حينها هذه الكلمات التي يجب أن يتردَّد صداها إلى كل إنسان:

“فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اليَهُودِيِّ وَالْيُونَانِيِّ، لأَنَّ لِلْجَمِيعِ رَبّاً وَاحِداً، غَنِيّاً تُجَاهَ كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ.” (رسالة بولُس إلى أهل روما 12:10)


مقالات مُشابِهة

الأم الثكلى
ما يزرعه الإنسان إياه يحصد
قصة سارة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.