Abstract art of the Bible as one story

هذا المقال يتناول قصة الكتاب المقدس، وستعرف من خلاله كيف أن قصة واحدة تربط الكتاب كله بالرغم من تعدد الأحداث والكُتَّاب.

نرى موضوعاً بارزاً في الكتاب المقدَّس يُلَخَّص بهذه الآية التي يقول الله فيها:

“وَيَكُونُ مَسْكَنِي مَعَهُمْ، فَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَيَكُونُونَ لِي شَعْباً.” (سِفر حزقيال 27:37)

سنتحدَّث خلال هذا المقال عن العديد من تعاملات الله مع البشر عبر مُختلف العصور، كيف بدأت وإلامَ كانت ترمي. وذلك عبر الحديث عن عدَّة عهود رئيسيَّة قطعها الله مع شعبه عبر كل العصور.

Covenants in the Bible Graphic AR

1. عهد الخليقة مع آدم

نرى في بداية الكتاب المقدَّس خَلْق الله للعالم الذي تُوِّج بخلْق الإنسان في اليوم السَّادس، لأنَّ الله يريد بناء علاقة وشركة مع الإنسان وهذا هو مفهوم العبادة في المسيحيَّة، لذلك قطع الله عهداً مع آدم كمُمثِّل عن كل الجنس البشري، ويدعى هذا العهد “عهد الخليقة”، ثمَّ أوصى الله آدم أن يُثمر ويكثر في الأرض لكي يصير هذا الإنسان شعباً عظيماً يكون الله إلهاً له. كان آدم بلا خطيئة وفي شركة مع الله، لكن وبسبب حادثة السُّقوط وعصيان الإنسان وتمرُّده على الله، حدثَ انفصال وعداوة بين الله والإنسان، وصار الإنسان فاسداً وخاطئاً ولا يقدر على التَّواجد في محضر الله والشَّركة معه إلَّا من خلال الموت ممثَّلاً في تقديم الذَّبيحة، فالذَّبيحة هي وسيلة التَّواجد في محضر المبارَك. نرى هنا بداية عهد النِّعمة مع الإنسان والوعد بالمصالحة لعودة تلك الشَّركة التي من أجلها خلق الله الإنسان. تمثَّل هذا الوعد بالكلمات التالية:

“وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».” (سِفر التَّكوين 15:3) AVD

ونرى تلميحاً للذَّبيحة في إلباس الله ثياباً لآدم وحواء:

“وَكَسَا الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ رِدَاءَيْنِ مِنْ جِلْدٍ صَنَعَهُمَا لَهُمَا.” (التَّكوين 21:3)

وبهذا الوعد صار هناك نسلَين هما نَسل الحيَّة أي الشَّيطان، ونَسل المرأة أي أبناء الله، وطوال التَّاريخ البشري يُنقذ الله أبناءه ويدين نَسل الحيَّة.

2. العهد مع نوح

استمرَّ تصاعد شرّ الإنسان وأراد الله أن يدين نَسل الحيَّة (أي الأشرار) بالطُّوفان، لكنَّه اختار نوح الذي من نَسل المرأة لكي يُخلِّص الجنس البشري من الطُّوفان ويحقِّق الله وعده باسترداد علاقة الإنسان معه والتي هي العبادة الحقيقيَّة من خلال نوح ونَسله ويُبقي له شعباً من هذا النَّسل، لذلك بعد إنقاذ نوح وعائلته من الطُّوفان نراه يبني مذبحاً ويُصعِد محرقة للرَّب أي ذبيحة والتي هي وسيلة العبادة والعلاقة مع الله، والذي بدوره قطع عهداً مع نوح بأنَّه لن يُبيد البشريَّة بتلك الطَّريقة ثانيةً أي بالطُّوفان، وكانت علامة العهد قوس قزح.

أوصى الله نوح أن يثمر ويكثر ويملأ الأرض لكي يحقِّق مقصد الله بأن يكون له شعب يمجِّده ويسجد له ويكون في شركة معه. ولكن الإنسان تمرَّد على الله مرَّة أُخرى لكن هذه المرَّة كان تمرُّداً عالميّاً نحوه، حيث تجمَّع النَّاس في مكانٍ واحد ولم يُريدوا أن ينتشروا في كل الأرض بل أرادوا أن يبنوا لأنفسهم بُرجاً رأسه للسَّماء ويصِلوا به إلى الله كي لا يُبادوا بالطُّوفان، وأيضاً أرادوا أن يكون لهم اسماً في الأرض. وبذلك أظهروا أنَّهم لم يثِقوا بعهد الله مع نوح ووعده له، فأتت دينونة الله عليهم بأن بَلبَلَ ألسِنتهم لأنَّهم كانوا يتكلَّمون لُغة واحدة، وشتَّتهم في كل بقاع الأرض.

إبراهيم

3. العهد مع إبراهيم

ثمَّ اختار الله أبرام لكي يكمل خطَّته بتحضير شعبٍ خاصٍّ له:

“وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اتْرُكْ أَرْضَكَ وَعَشِيرَتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ وَاذْهَبْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ، فَأَجْعَلَ مِنْكَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً (لِكَثِيرِينَ). وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَأَلْعَنُ لاعِنِيكَ، وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ».” (التَّكوين 1:12-3)

ثمَّ قطع الله مع أبرام عهداً في (تكوين 15) لكي يُثبت صدقه بتحقيق وعده له بأنَّه سيعطيه نَسلاً ويكون بركة للأُمم، ووعده أيضاً بأرض كنعان (تكوين 7:12)، ونرى في قطع العهد مع أبرام وفي تأكيد العهد عليه في (تكوين 17) وجوداً للذَّبيحة أي الوسيلة التي تمكِّن الإنسان من التَّواجد في محضر الله. وقد غيَّر الله اسم أبرام إلى إبراهيم لأنَّه سيكون أباً لجمهورٍ من الأُمم، وكانت علامة العهد مع إبراهيم هي الختان له ولنسله من بعده.

وقد قال الله لإبراهيم أنَّ هذا العهد هو عهدٌ أبديّ والغرض منه أن يكون الله إلهاً لإبراهيم ونسله من بعده، وطلب إبراهيم من الله أن يقيم عهده من خلال إسماعيل ابنه لكنَّ الله رفض ذلك وأصرَّ على إقامة العهد مع إسحاق ابن الموعد الذي ولد من سارة:

“وَأُقِيمُ عَهْدِي الأَبَدِيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، فَأَكُونُ إِلَهاً لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأَهَبُكَ أَنْتَ وَذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ جَمِيعَ أَرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي نَزَلْتَ فِيهَا غَرِيباً، مُلْكاً أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً».” (التَّكوين 7:17-8)

moses in arabic

4. العهد الموسوي (مع موسى)

أنجب إبراهيم إسحاق، وإسحاق أنجب عيسو ويعقوب، لكنَّ الله اختار يعقوب ليرث البركة كي يتحقَّق من خلاله الوعد أي العهد الإبراهيمي. أنجب يعقوب الاثنا عشرة سبطاً (وهم آباء شعب إسرائيل) وصعد هذا الشَّعب إلى مصر بسبب المجاعة التي جاءت على الأرض، وكان يوسف هو السَّبب في إنقاذ عائلته وأرض مصر، ثمَّ أحضر يوسف أباه يعقوب وإخوته إلى مصر ليعيشوا فيها، وظلَّ شعب إسرائيل في مصر بعد موت يوسف وإخوته لمدَّة 400 سنة تقريباً إلى أن وُلِد موسى فاختاره الله لكي يُنقذ شعبه من العبوديَّة ثمَّ يخرجهم من أرض مصر ليدخلهم الأرض التي وعد بها إبراهيم، ولكي يعبدوا الله فيها فيحقِّق غايته بأن يكون لهم إلهاً ويكونون له شعباً يعبدونه ويستمتعوا به وبتمجيده.

وبالفعل أخرج الله شعب إسرائيل من عبوديَّة مصر بيدٍ قويَّة وذراعٍ قديرة، وأتى بهم إلى جبل سيناء وأعطاهم هناك مواصفات بناء خيمة الاجتماع، وليس ذلك فقط بل أيضاً أعطاهم الشَّريعة وأقام معهم العهد في البرِّيَّة، وهذا العهد هدفه تطهير الشَّعب والتَّكفير عن شرِّهم أي تقديسهم ليكونوا في شركة مع الله القدُّوس البارّ ليتمِّم هدفه بأن: ”أَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا.“ لذلك يذكر في سِفر الخُروج:

“فَصَعِدَ مُوسَى لِلْمُثُولِ أَمَامَ اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الجَبَلِ: «هَكَذَا تَقُولُ لِآلِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ: لَقَدْ عَايَنْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ مَا أَجْرَيْتُهُ عَلَى مِصْرَ، وَكَيْفَ حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. لِذَلِكَ إنْ أَطَعْتُمْ عَهْدِي، تَكُونُوا لِي مِلْكاً خَاصّاً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ، لأَنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. وَتَكُونُوا لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هَذَا هُوَ الْكَلامُ الَّذِي تُخَاطِبُ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».” (الخُروج 3:19-6)

يريد الله أن يكون له شعباً خاصَّاً يبارك من خلاله كل أُمم الأرض تماماً كما عهده مع إبراهيم، ويريد أن يستمر بحماية نسله من الأشرار ومحاولات إبليس للقضاء عليهم:

“وَأَجْتَمِعُ هُنَاكَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيُقَدَّسُ بِمَجْدِي. وَأُقَدِّسُ خَيْمَةَ الِٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحَ، وَهَارُونُ وَبَنُوهُ أُقَدِّسُهُمْ لِكَيْ يَكْهَنُوا لِي. وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُهُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُهُمْ.” (الخُروج 44:29-46)

ثمَّ بنى شعب إسرائيل خيمة الاجتماع وحلَّ مجد الله عليها. وينتهي سِفر الخُروج بحلول مجد الله على الخيمة وعدم قدرة موسى نفسه من الدُّخول إلى الخيمة:

“وَمَا لَبِثَتِ السَّحَابَةُ أَنْ غَطَّتْ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَمَلأَ جَلالُ الرَّبِّ الْمَسْكَنَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مُوسَى دُخُولَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، لأَنَّ السَّحَابَةَ حَلَّتْ عَلَيْهَا، وَمَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ الْمَسْكَنَ. (الخُروج 34:40-35)

لأنَّه كما قلنا لا يوجد عبادة ولا يمكن التَّواجد في محضر الله إلَّا من خلال ذبيحة. يبدأ سِفر اللَّاويِّين بجملة:

“وَاسْتَدْعَى الرَّبُّ مُوسَى، وَخَاطَبَهُ مِنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاً” (اللَّاويِّين 1:1)

وعندما دعا الله موسى تمكَّن من دخول الخيمة، وكتبَ لنا سِفر اللَّاويِّين كيف يمكن التَّواجد في محضر الله وعبادته، ويتحدَّث سِفر اللَّاويين عن يوم الكفَّارة حيث يلتقي الله مع شعبه في العبادة التي يُكفِّر فيها رئيس الكهنة عن نفسه وعن الشَّعب بدُخوله (أي رئيس الكهنة) إلى قُدس الأقداس (القسم الأكثر قدسيَّة في خيمة الاجتماع والذي فيه تابوت العهد) ويرشّ الدَّم على التَّابوت ليُكفِّر عن الشَّعب وعن نفسه أمام الله لكي يتمكَّنوا من التَّواجد في محضر الله ومن الشَّركة معه، وكان هذا بمثابة صورة أو ظِلّ لما سيحدث في المستقبل حيث سيكون هناك شركة أبديَّة بين الله وشعبه لكن بدون خطيَّة بفضل كفَّارة المسيح. وفي سِفر اللَّاويِّين يعطي الله تفاصيل تقديم الذَّبائح لكي يتمكَّن الشَّعب من التَّواجد في محضره لأنَّ التَّقرُّب للعبادة بدون تقديم ذبيحة هو كالحُكم بالموت على الإنسان، لأنَّ الله قدُّوس وبارّ ولا يمكن أن يكون في شركة مع شعب نجس وخاطئ بسبب سقوط الجنس البشري المُتمثِّل بآدم. لكن بسبب محبَّة الله للإنسان أوجدَ له وسيلة إنقاذ من الموت وهي الذَّبيحة ليستطيع الإنسان أن يقف في محضر الله ويعبده.

ثمَّ سار الله مع شعب إسرائيل طيلة 40 سنة في البرِّيَّة وأدخلهم إلى الأرض التي وعد بأن يعطيها لنَسل إبراهيم، وعاش الشَّعب هناك، وكانت طاعة النَّاموس (الشَّريعة) هي من شروط الاستمتاع بالتَّواجد في محضر الله في الأرض الموعودة، حيث كان هناك بركات في كل مجالات الحياة لكل من يُطيع النَّاموس، ولعنات في كل مجالات الحياة لمن لا يُطيعه. وكان البقاء في تلك الأرض هو من ضمن البركات لأنَّه يدلّ على التَّواجد في محضر الله وعبادته، أمَّا الطَّرد من الأرض فهو من ضمن اللَّعنات لأنَّه يدلّ على الطَّرد من محضر الله ومن عبادته.

David in Arabic with purple background

5. العهد مع داود

ثم قطع الله عهداً مع داود الملِك بأنَّ مُلكه سيكون إلى الأبد:

“وَمَتَى اسْتَوْفَيْتَ أَيَّامَكَ وَرَقَدْتَ مَعَ آبَائِكَ، فَإِنَّنِي أُقِيمُ بَعْدَكَ مِنْ نَسْلِكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ مَنْ أُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ عَرْشَ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً، إِنِ انْحَرَفَ أُسَلِّطُ عَلَيْهِ الشُّعُوبَ الأُخْرَى لأُقَوِّمَهُ بِضَرَبَاتِهِمْ. وَلَكِنْ لَا أَنْزِعُ رَحْمَتِي مِنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا مِنْ شَاوُلَ الَّذِي أَزَلْتُهُ مِنْ طَرِيقِكَ. وَيَدُومُ بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامِي، فَيَكُونُ عَرْشُكَ ثَابِتاً مَدَى الدَّهْرِ».” (صموئيل الثاني 12:7-16)

في هذا العهد نرى أمراً مميَّزاً جداً وهو أنَّ الله يدعو نفسه أباً للملِك الآتي من نَسل داود، أي أنَّ هذا الملِك سيكون اِبن لله. ملَكَ سليمان بعد داود أبيه وبنى الهيكل الذي حلَّ عليه مجد الرَّب وبركته، لكن المُحزن هو أنَّ المملكة انقسمت بعد مُلك سليمان بن داود وصارت مملكة شماليَّة ومملكة جنوبيَّة، وكان كل ملوك المملكة الشِّماليَّة أشرار ولم يكن فيها ملِكٌ بارّ ليجلس على كرسي داود إلى الأبد، وفي المملكة الجنوبيَّة كان هناك بعض الملوك الأبرار ولكنَّهم لم يكونوا هم الموعودين بأن يجلسوا على كرسي داود إلى الأبد. وظلَّ العهد الداوُدي هو رجاء كل شعب إسرائيل في أن يأتي ملِك من نَسل داود واِبن لله يحكم بالعدل والحق والرحمة لشعبه.

لم يلتزم الشَّعب بالنَّاموس ولم يُطيعوا وصايا الله ولم يسلكوا حسب النَّاموس، لذلك كانوا ملعونين بحسب ناموس الله لأنَّهم لم يثبتوا في الطَّاعة، وقد أرسل الله أنبياءه لكي يعظوا الشَّعب ويرجعوهم إلى طاعته وعبادته بالحق، وكان الأنبياء يُحذِّرون الشَّعب من أنَّ السَّبي آتٍ ولكن دون فائدة، فظلَّ الشَّعب على عناده وعصيانه لله. لذلك عاقب الله شعب إسرائيل بالسَّبي وكان العقاب للمملكتين، المملكة الشِّماليَّة سبَتها المملكة الأشوريَّة والمملكة الجنوبيَّة سبَتها المملكة البابليَّة، كما دمَّر ملِك بابل نبوخذنصَّر الهيكل الذي يُعَدّ مركز عبادة لشعب إسرائيل. وكان رجاء إسرائيل هو الرُّجوع من السَّبي إلى أرض الموعد وبناء الهيكل واستعادة العبادة وعودة المُلك وتحقيق الله لوعده بأنَّه سيملك على شعب إسرائيل من خلال الملِك الداوُدي المنتظَر ورجوع مجد الهيكل كما كان سابقاً. كان الأنبياء يتنبَّأون عن يومٍ سيأتي ويكون الله فيه وسط شعبه، وهذا سيتم بواسطة المسيح الذي أخبرَ عنه الأنبياء وعلى رأسهم إشعياء:

“وَلَكِنَّ السَّيِّدَ نَفْسَهُ يُعْطِيكُمْ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ.” (إشعياء 14:7)

وسيملك على شعبه إلى الأبد، لذلك كل النُّبوءات وكلام الأنبياء متمحور حول مجيئ الملِك من نَسل داود الذي سيأتي ويَملك على الشَّعب:

“لأَنَّهُ يُوْلَدُ لَنَا وَلَدٌ وَيُعْطَى لَنَا ابْنٌ يَحْمِلُ الرِّيَاسَةَ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلامِ. وَلا تَكُونُ نِهَايَةٌ لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلامِ اللَّذَيْنِ يَسُودَانِ عَرْشَ دَاوُدَ وَمَمْلَكَتَهُ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ. إِنَّ غَيْرَةَ الرَّبِّ الْقَدِيرِ تُتَمِّمُ هَذَا.” (إشعياء 6:9-7)

وتنبَّأ الأنبياء بأنَّ السَّبي سيستمر 70 سنة، وهذا ما تمَّ بالفعل حين عاد شعب إسرائيل من السَّبي على يد زرُبَّابل وعزرا ونحميا.

new testament in arabic

6. العهد الجديد

حتى بعد الرُّجوع من السَّبي وبناء الهيكل لم يكُن الشَّعب يطيع الله طاعة كاملة، وبسبب بُعد الشَّعب عن الله وعدم طاعته له باستمرار، وعدَ الله بالعهد الجديد:

“«هَا أَيَّامٌ مُقْبِلَةٌ»، يَقُولُ الرَّبُّ «أَقْطَعُ فِيهَا عَهْداً جَدِيداً مَعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، لَا كَالْعَهْدِ الَّذِي أَبْرَمْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ، يَوْمَ أَخَذْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ، فَنَقَضُوا عَهْدِي، لِذَلِكَ أَهْمَلْتُهُمْ. وَلَكِنْ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ»، يَقُولُ الرَّبُّ: «سَأَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَوَاخِلِهِمْ، وَأُدَوِّنُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. وَلا يَحُضُّ فِي مَا بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ إِلَهَكَ لأَنَّهُمْ جَمِيعاً سَيَعْرِفُونَنِي، مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، لأَنِّي سَأَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلَنْ أَذْكُرَ خَطَايَاهُمْ مِنْ بَعْدُ»..” (إرميا 31:31-34)

تنبَّأ النَّبي إرميا بهذه النُّبوءة قبل السَّبي، وكان هذا العهد هو رجاء شعب إسرائيل بعد الرُّجوع من بابل، فلا يجب أن ننسى أنَّ محور تلك العهود هو وجود الله وسط شعبه للشَّركة معه وعبادة شعب إسرائيل له بكل قلوبهم، وتكمن أهميَّة هذا العهد في تمكين الله لشعبه من تقديسهم وتطهيرهم ليتمكَّنوا من التَّواجد في محضره ويكون هو في وسطهم وفي شركة معهم. ونرى هذا في حزقيال:

“لِكَيْ لَا يَضِلَّ عَنِّي شَعْبُ إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدُ، وَيَتَنَجَّسُوا بِآثَامِهِمْ، وَإِنَّمَا يَكُونُونَ لِي شَعْباً وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».” (حزقيال 11:14)

يسوع المسيح هو متمم كل العهود

يسوع المسيح هو مُتمِّم كل تلك العهود لأنَّه:

  1. هو النَّسل الموعود به في (تكوين 15:3) لأنَّه سحقَ رأس الحيَّة وهزم الشَّيطان بطاعته لناموس الله، ولأنَّه عاش حياته كلّها بدون أيّ خطيَّة لأنَّه كان إنساناً كاملاً بلا خطيَّة، ولأنَّه انتصر أيضاً على الشَّيطان في الصَّليب الذي يشير لسحق عقب المسيح وفي نفس الوقت لسحق رأس إبليس أي هزيمته.

“وَإِذْ ظَهَرَ بِهَيْئَةِ إِنْسَانٍ، أَمْعَنَ فِي الاِتِّضَاعِ، وَكَانَ طَائِعاً حَتَّى الْمَوْتِ، مَوْتِ الصَّلِيبِ.“ (رسالة بولس الرَّسول إلى أهل فيلبِّي 8:2)

  1. هو الفُلك الذي بناهُ نوح والذي يرمز أيضاً للمسيح، ويعوزني الوقت كي أتكلَّم عن المسيح بأنَّه الفُلك الحقيقي الذي أنقذنا من الدَّينونة كما أنقذ نوح وعائلته من دينونة الطُّوفان، وكما أنَّ هناك خليقة جديدة بعد الطُّوفان فهناك خليقة جديدة بعد الإيمان بالمسيح يسوع. في العهد الإبراهيمي النَّسل الموعود به والذي سيتبارك فيه كل شعوب الأرض هو يسوع المسيح كما يقول بولس الرَّسول:

“لِكَيْ تَصِلَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى الأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، فَنَنَالَ عَنْ طَرِيقِ الإِيمَانِ الرُّوحَ الْمَوْعُودَ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِمَنْطِقِ الْبَشَرِ أَقُولُ إِنَّهُ حَتَّى الْعَهْدُ الَّذِي يُقِرُّهُ إِنْسَانٌ، لَا أَحَدَ يُلْغِيهِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ. وَقَدْ وُجِّهَتِ الْوُعُودُ لإِبْرَاهِيمَ وَنَسْلِهِ، وَلا يَقُولُ «وَلِلأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى كَثِيرِينَ، بَلْ يُشِيرُ إِلَى وَاحِدٍ، إِذْ يَقُولُ «وَلِنَسْلِكَ»، يَعْنِي الْمَسِيحَ.” (رسالة بولس الرَّسول إلى أهل غلاطية 14:3-16)

  1. هو مُتمِّم كل النَّاموس لأنَّه أطاعه بالكامل، وكل ذبائح العهد القديم في ناموس موسى تشير إلى الذَّبيحة الأعظم والتي هي يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية عن كثيرين فهو ”حَمَلُ اللهِ الَّذِي يُزِيلُ خَطِيئَةَ الْعَالَمِ“ (يوحنَّا 29:1)، وهو رئيس كهنتنا الأعظم الذي دخل إلى قدس الأقداس السَّماوي وقدَّم دمه ونفسه ذبيحة لله.

“فَمَادَامَ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَتِنَا الْعَظِيمُ الَّذِي ارْتَفَعَ مُجْتَازاً السَّمَاوَاتِ، وَهُوَ يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ دَائِماً بِالاعْتِرَافِ بِهِ.” (الرِّسالة إلى العبرانيِّين 14:4)

  1. هو اِبن داود بالجسد “هَذَا سِجِلُّ نَسَبِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ:” (متَّى 1:1)، فهو الملِك الحقيقي الموعود به والذي سيجلس على كرسي داود إلى الأبد لأنَّه هو بالفعل اِبن الله بالطَّبيعة، فالمسيح يسوع هو الله الكامل والإنسان الكامل.

“فَفِيهِ، (أي المسيح) جَسَدِيًّا، يَحِلُّ اللهُ بِكُلِّ مِلْئِهِ” (رسالة بولس الرَّسول إلى أهل كولوسي 9:2)

  1. هو مُتمِّم العهد الجديد وهو نفسه الذَّبيحة لقطع هذا العهد وتتميمه، فهو الذي كفَّر عن خطايا شعبه وقدَّسهم وطهَّرهم بموته الكفَّاري وأسَّس العهد الجديد، هذا العهد الذي تنبَّأ به إرميا النَّبي وتكلَّم عنه حزقيال، هذا هو العهد الذي أسَّسه المسيح وقت العشاء الأخير مع تلاميذه:

”وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلَامِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «ٱشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا.“ (متَّى 26:26-28)

العهد الجديد الذي تنبَّأ به إرميا هو أنَّ الله سيكتب وصاياه في قلوب شعبه وسيعيشون حسب وصاياه بسبب خليقة الله الجديدة لهم لأنَّه سيعطيهم قلب لحم، قلب يحب وينفِّذ وصيَّة الله المكتوبة على قلوبهم.

المسيح هو أساس كل بركات العهد الجديد

وبعد صعود المسيح أرسل الرُّوح القدس وأسَّس كنيسة العهد الجديد التي هي شعب الله وعروسه وهيكله:

“…فَإِنَّنَا نَحْنُ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، وَفْقاً لِمَا قَالَهُ اللهُ: «سَأَسْكُنُ فِي وَسَطِهِمْ، وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ إِلهَهُمْ وَهُمْ يَكُونُونَ شَعْباً لِي».” (رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 16:6)

فوجودنا كمؤمنين هو بداية تتميم هذه الوعود نتيجة لما وعد به الله من بركة نَسل إبراهيم لكل الأُمم، وهو مكان سُكنى الله وسط شعبه لعبادته، فنحن أولاد إبراهيم بالإيمان لأنَّ لنا نفس إيمان إبراهيم، ونحن تحقيق لتلك الوعود. فالكنيسة هي جماعة المؤمنين التي يكمل معها الله وعوده في العالَم لكي يسكن في وسطهم ويصير لهم إلهاً وهم يكونون له شعباً.

سيأتي وقت وسيعود المسيح ثانيةً وفيه سيكتمل الوعد بشكل نهائي كما يخبرنا سِفر الرُّؤيا:

“وَسَمِعْتُ صَوْتاً هَاتِفاً مِنَ الْعَرْشِ: «الآنَ صَارَ مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، هُوَ يَسْكُنُ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ يَصِيرُونَ شَعْباً لَهُ. اللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهاً لَهُمْ!” (رؤيا يوحنَّا 3:21)

وحينها سيكون الله إلهاً لشعبه المختار الذي سيعبده بدون خطيَّة ونجاسة بل في قداسة وطهارة، وسنرنِّم للرَّب:

“وَأَخَذُوا يُرَتِّلُونَ تَرْتِيلَةً جَدِيدَةً يَقُولُونَ فِيهَا: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ الْكِتَابَ وَتَفُكَّ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ، وَبِدَمِكَ اشْتَرَيْتَ لِلهِ أُنَاساً مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلُغَةٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَهُمْ مَمْلَكَةً لإِلَهِنَا وَكَهَنَةً لَهُ، وَسَيَمْلِكُونَ عَلَى الأَرْضِ».” (رؤيا يوحنَّا 9:5-10)

كل العهود التي وعد بها الله الإنسان تحقَّقت في المسيح يسوع بموته على الصَّليب وقيامته من الأموات وصعوده وجلوسه على العرش، فهو الله الذي يملك على شعبه ويسكن في وسطهم. إن جاز التَّعبير من الممكن أن نقول إنَّ الكتاب المقدَّس هو قصَّة الله في تعاملاته مع البشر وليس مجرَّد كتاب وصايا أو قصص أنبياء، ولكن الكتاب المقدَّس هو قصَّة الله في أن يكون لنا إلهاً ونحن نكون له شعباً، وهذا النَّمط نراه في كل نصوص الكتاب المقدَّس من بداية سِفر التَّكوين وتوصية الله لآدم بأن يثمر ويكثر الأرض، وفي خلاص الله لنوح ليتمِّم الوعد الذي وعده لآدم، وفي اختيار الله لإبراهيم بأن تتبارك من خلال نَسله جميع أُمم الأرض. وبعد ذلك يَعِد الله بأنَّه سيكون ملِكاً إلى الأبد على شعب إسرائيل، ثمَّ يُكمِل عمله في العهد الجديد في الكنيسة، وقد تحقَّق هدف الله بشكل جزئي في أن يكون إلهاً لها وتكون هي شعباً له، إلى أن يكتمل التتميم مع مجيء المسيح الثاني.

الكاتب: بول

Theologian

  1. .مسيح العهود. بالمر روبرتسُن، أُوِن. ترجمة صموئيل ناجي نعمان
  2. .اللاهوت الكتابي كيف تُعلِّم الكنيسة الإنجيل بأمانة؟ رورك، نِك وروبرت كلاين. ترجمة سامح عزمي وشيري عوض
  3. .لاهوت العهد كيف تقرأ القصة الكتابية وتاريخ الفداء؟ سعد عوض، حمدي
  4. .علم اللاهوت الكتابي الإعلان الإلهي في العهدين القديم والجديد. فوس، جرهاردوس

مقالات مُشابِهة

ما هو الكتاب المقدس؟
أهمية معرفة الكتاب المقدس
هل يتكون الكتاب المقدس من 66 أو 73 سفر؟


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.