انقلبت الأحوال بين فؤاد وسارة، فالذي كانَ مُتكبِّراً مُتجبِّراً أصبح ذليلاً، فهل ستُعامله سارة بالمِثل يا تُرى؟
انحنت سارة لتُقبِّل قدمَي الدَّائِن فؤاد وتترجَّاهُ قائلة: أرجوك يا سيِّدي ارحمني أنا وأطفالي فإن رمَيتنا في الشَّارع في هذا الطَّقس الماطِر سنموت من الصَّقيع، فنفضَ قدمهُ بشِدَّة وقال: حين استدَنتي منِّي رهَنتي لي منزلك، والآن انتهى الوقت المُتَّفَق عليه بيننا لذلك ادفعي المبلغ المُترتِّب عليكِ أو اخرُجي من المنزل قبل أن أطرُدكِ منه بالقوَّة.
وبدون رحمة رمى فؤاد سارة وأطفالها الثَّلاثة وهي الأرملة التي استدانت منه قبل مُدَّة لتُعالِج زوجها المريض الذي مات تارِكاً لها الكثير من الدُّيون. جلست على حافَّة الطَّريق وغمرت أطفالها الذين كانوا يرتجفون من البرد وراحت تبكي بصَمت وتُصلِّي في قلبها لقاضي الأرامل واليتامى لكي يتدخَّل ويُنقذها هي وأولادها من هذا الوضع الصَّعب.
وصدفَ أنَّ سيَّارة سيِّدة ثرِيَّة جدّاً كانت مارَّة في نفس الطَّريق، فنظرت من خلف النَّافِذة ورأت امرأةً تجلس على الرَّصيف وتحتضن أطفالها تحت المطر بدون مظلَّة، فطلبت من السَّائق أن يوقف السيَّارة ويُحضر تلك العائلة المُشرَّدة لكي يُقِلُّوهم معهم في السيَّارة، وفي الطَّريق استمعت السيِّدة حسيبة إلى قصَّة سارة بالتَّفصيل وتأثَّرت كثيراً. وحين وصلوا ودخلوا إلى البيت الكبير الذي يُشبه القصر قالت السيِّدة لسارة: أترينَ هذا القصر الكبير؟ على الرَّغم من أنَّ كل شيء متوفر لي فيه إلَّا أنّي أشعُر باليأس والملل من الوحدة التي تكاد تقتلني فأنا لم أُرزَق بأطفال وزوجي متوفِّي منذُ زمانٍ بعيد، لكنّي أُحِسّ بأنَّ الله وضعكِ في طريقي اليوم لكي أكونَ عوناً لكِ ولأطفالكِ في مِحنَتك وتكونينَ عوناً لي في وحدتي، فهل تقبلين أن تعيشي معي وتصيرينَ بمثابة ابنتي التي لم أُرزَق بها؟ فأسرعت سارة وعانقت السيِّدة حسيبة وبدأت تشكُرها وتقول: أنا مُستعدَّة لأن أخدمك طول العمر إن آوَيتِني أنا وأطفالي.
تبدل الأحوال
وهكذا دبَّر الله أُمور سارة وأعطاها أكثر بكثير ممَّا كانت تتوقع، أمَّا المُرابي فؤاد الذي لطالما ظَلم الكثير من النِّساء واستغلَّ فقرهم وحاجتهم فها هو اليوم وبعد مرور عدَّة سنوات يخسر ابنه الوحيد بعد صراعٍ مع المرض، لكنَّه وقبل أن يخرُج من بؤرة حُزنهِ أتاهُ من هو أكثر منه شرّاً واستغلَّهُ بإمضاء على صفقة كاذبة فخسر كل أموال الحرام التي كان يُتاجر بها بما فيها منزله وسيَّارته ووجد نفسه وحيداً دون مأوى. وبعد البحث الطَّويل عن فُرصة عمل لجأ لأحد بيوت الأثرياء لكي يعمل سائقاً عندهم وحين رفع عيونه ليرى السيِّدة التي ستعطيه العمل صُدِمَ برؤية سارة الأرملة التي كانت تُقبِّل قدميه سابقاً لئلَّا يطرُدها مع أطفالها، فركعَ أرضاً وراح يبكي ويتوسَّل إليها بأن تُسامحه على ما فعله بها وتُساعده بالحصول على الوظيفة قائلاً: لقد عاقبني الله على أعمالي الشِّريرة وانتقمَ منِّي أشدّ انتقام فخسرتُ ابني الوحيد وجميع أملاكي وها أنا اليوم أُعلِن توبتي أمام الله وأمامك طالباً الغفران والعيش بالحلال.
فأجابتهُ سارة: أنتَ قصدتَ بي شرّاً أمَّا الله فقصدَ بهِ خيراً، لقد غفرتُ لك وسامحتك لأنَّ الرَّب وقف معي وساعدني، لا تخف سأُعطيك فُرصة جديدة فإلهنا إله الفُرصة الثَّانية دائماً، لذلك تعالَ وامكُث في الغرفة التي في الحديقة وباشِر عملك من اليوم.
“إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ، وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. فَإِنَّكَ، بِعَمَلِكَ هَذَا تَجْمَعُ عَلَى رَأْسِهِ جَمْراً مُشْتَعِلاً. لاَ تَدَعِ الشَّرَّ يَغْلِبُكَ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.” (رسالة بولُس إلى أهل روما 20:12-21)
مقالات مُشابِهة
الأم الثكلى
ما يزرعه الإنسان إياه يحصد
قصة سارة