عانت كثيراً في طفولتها وقرَّرت الانتحار بعد زواجها، لكن كلمات التَّعزية التي سَمِعتها من جارتها كانت سبباً في تغيير حياتها وحياة زوجها إلى الأبد، فما الذي حصل مع صفاء؟
اسمُها صفاء لكنَّها نسِيَت اسمها الجميل هذا لأنَّ كل من حَولها كان يُناديها بِاسم (النَّحس أو القبيحة)، ماتت والدتها بعد أن ولدَتها فوراً بسبب تعسُّر الولادة، فكَرِهها والدها وتخلَّى عن تربيتها، ثمَّ عطفَت عليها عمَّتها وأخذتها كي تُربِّيها مع بقيَّة أطفالها، لكن عمَّتها لم تهتمّ بها كثيراً بسبب انهماكها الدَّائم بالعمل وانشغالها بأُمور العائلة والأطفال. فكَبُرَت صفاء كغَريبة في بيت يضُمّ عائلة كبيرة.
وحين أصبحت بعمر السَّادسة عشر، أحضرت إحدى الجارات عريساً لصفاء ووافقت عمَّتها على تزويجها له. ويوم زفافها وقفت صفاء بثوبها الأبيض دون أن تُدرك الحياة الجديدة التي هي مُقدِمة عليها، وهكذا وجدَت نفسها فريسةً لرَجُلٍ نَهِمٍ لا يُراعي مشاعرها ولا يهتمّ بنفسِيَّتها، كان يضرِبها إن لم تمتثِل لمطالبه، ويُعيِّرها دوماً بأنَّه تكرَّمَ عليها وتزوَّجها.
اليأس
غادرَت صفاء المنزل ذاتَ صباح دون أن تعرف إلى أين ستذهب وكيف ستتمكَّن من إنهاء حياتها البائسة، فالتَقت في طريقها بجارتها أُمّ وديع التي دعَتها لتتناول الفطور معها. أحسَّت بشيء يدفعها لقبول الدَّعوة وشعرَت بالدِّفء والحنان في صوت أُمّ وديع التي قادتها إلى منزلها كما يقود صوت خرير المياه الأيائل العطشى إلى النَّهر، كانت صفاء في تلك الفترة بأمَسّ الحاجة لعاطفة الأُمومة التي وجدتها في أُمّ وديع، لذلك تبِعتها ولبَّت الدَّعوة على الفور.
جلست صفاء تتناول الفطور ودموعها تنهمر على خدَّيها، وراحت تبوح لأُمّ وديع عن همومها مُفصِحةً لها عمَّا في داخلها ومخبرةً إياها عن نيَّتها بالانتحار. كانت حِكمة أُمّ وديع وكلماتها المُعزِّية بلسَم لجِراح صفاء، لذلك بقيت تصغي إليها ناسِيةً الوقت الذي يمرّ، وفجأةً نظرَت إلى ساعتها فرأت أنَّها تجاوزَت الثَّالثة بعد الظُّهر، فقامت مُنتفِضة خائفة لأنَّها لم تُحضِّر بعد أيّ طعام لزوجها الذي سيأتي عند السَّاعة الخامسة، كان قلبها يدقّ بشدَّة من الخوف لأنَّها تعلَم أنَّه سيضرِبها إن لم يجد طعامه جاهزاً. لكن أُمّ وديع هدَّأت من رَوعها وقالت لها: لا تقلقي، فابنتي قد أعدَّت طعاماً يكفي لنا ولكم، وهكذا أعطتها قِدراً مملوءاً بالطَّعام.
الرجاء
تكرَّرت زيارة صفاء لمنزل أمّ وديع التي أخبرتها عن عظمَة الرَّب ومحبَّته للإنسان، وقرأت لها آيات مُعزِّية من الكتاب المقدَّس وأرَتها كم هي غالية على قلب الرَّب الذي بذلَ نفسه من أجلها ومن أجل جميع البشر، شجَّعتها على الصَّلاة في كل أُمورها وأخبرتها بأنَّ الصَّلاة تصنع المعجزات وأنَّ الله قادر أن يُغيِّر قلب زوجها ويعطيه قلباً جديداً مليئاً بالحب والعطف والحنان. آمنت صفاء بالرَّب وابتدأت تذهب للكنيسة مع أُمّ وديع وتُصلِّي من أجل زوجها دونَ كللٍ أو مَلَل، وبعد مُدَّة بدأت تلتمِس التَّغيير في سُلوك زوجها الذي أصبحَ أكثر تسامُحاً وأقلّ غضباً من قبل، فاستمرت في الصَّلاة من أجله إلى أن تغيَّرَ كُلِّياً وأصبح يذهب معها إلى الكنيسة بانتِظام، ثمَّ آمنَ هو الآخَر وصارَ إنساناً خَلوقاً يفيض بالمحبَّة والحِكمة تجاه زوجته وتجاه كل من يراه.
لا تَستهِن أبداً بقوَّة الصَّلاة وبقُدرة الله على تغيير قلوب النَّاس ونفوسهم، كُن برَكة لكل من حولك كما كانت أُم وديع مع صفاء، وآمِن بإلهك وضَع مُشكِلاتك بين يديه لأنَّه لا يعسُر عليه أمر.
“لِهذَا السَّبَبِ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَا تَطْلُبُونَهُ وَتُصَلُّونَ لأَجْلِهِ، فَآمِنُوا أَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمُوهُ، فَيَتِمَّ لَكُمْ.” (إنجيل مَرقُس 24:11)
مقالات مُشابِهة
الاختبار
الأبواب الموصدة
الكنة الحكيمة