ظنَّت أن التخطيط المُتقن هو مفتاح النجاح، فكرَّست نفسها للاهتمام بالتفاصيل، لكنها أدركت مُتأخِّرة أن البساطة أحياناً تُغني عن التعقيد. فما الذي حصل مع فاديا؟
لطالما كانت فاديا مثالاً يُحتذى به في التخطيط والتنظيم، فكانت لا تترك تفصيلاً صغيراً يمر دون دراسة وتحضير. وقد اشتهرت بين العائلة والأصدقاء بدقتها وإتقانها، حتى لقَّبوها بـ”مديرة المناسبات”، وكانوا يستعينون بها في كل أمر، كبيراً كان أم صغيراً.
ومع اقتراب زفاف ابنتها الوحيدة، شعرت فاديا أنَّ هذا اليوم هو ذُروة ما كانت تجهِّز له طوال حياتها. أرادت أن يكون يوماً مثالياً من كل النواحي. بدأت بالتحضيرات قبل أشهُر: اختارت القاعة بعناية، راجعت عشرات الصُّور لتصميم الزينة، جرَّبت أكثر من نوع حلوى، وأعادت جدوَلة البروفات مراراً لتتناسب مع جدول الجميع. لم تترك فرصة للخطأ.
ومع اقتراب الموعد، ازداد ضغطها النَّفسي والجسدي. كانت تنام ساعات قليلة، وتنهض مبكِّراً لتُتابع التفاصيل. وفي الليلة السابقة للزفاف، بقيَت مستيقظة حتى الفجر تراقب ترتيبات القاعة وتتأكَّد من تطابق كل شيء مع رؤيتها.
الانهيار الجسدي
لكن في صباح اليوم الموعود، وبينما كانت تتفقَّد بعض التفاصيل الأخيرة، شعرت بدوارٍ شديد. طلبت أن تجلس قليلاً، لكنَّها لم تستطع الوقوف مجدَّداً. فتمَّ نقلها إلى المستشفى، حيث أكَّد الأطباء أنَّ حالتها ناتجة عن إجهاد جسدي ونفسي شديد، وأنَّها بحاجة ماسَّة للراحة والعناية.
جلست فاديا على سرير المستشفى، يملؤها الحزن على غيابها عن اللحظة التي حلمت بها طويلاً. لكن هاتفها لم يتوقف عن الرَّنين: صور من الزَّفاف، رسائل من الأقارب، صوت ابنتها الممزوج بالغصَّة على غيابها لكنَّه يخبرها أن كل شيء يسير على ما يرام، وأنَّها تفتقدها كثيراً.
رأت فاديا صورة لابنتها تُمسِك بيَد والدها وتُعانقه بفرح، فابتسمت والدُّموع في عينيها. عندها، أدركت فاديا ما لم تُدركه من قبل: أنَّ اللحظات الثمينة لا تُصنع بالكمال، بل بالحضور. لم يكن ينقص ذلك اليوم أكثر من حضن دافئ منها لابنتها، ودمعة صادقة تُعبِّر بها عن فرحتها الكبرى بزفافها، لا تفاصيل الطاولات أو شكل الشموع وتنسيق الديكور.
العبرة
في كثير من الأحيان، ننشغل بتنظيم تفاصيل حياتنا إلى درجة ننسى فيها أن نعيش الحياة نفسها. فنُرهق أنفسنا بتفاصيل يمكن أن تمضي دون أن نلاحظ، ونغفل عن جوهر الأمور بأن نكون موجودين بالقرب ممَّن نحب.
حتى في علاقتنا مع الله، كثيراً ما ننشغل بتفاصيل الخدمة والعبادة، وننسى الجوهر، وهو الفرح بالوجود في محضر الله والامتنان لعطاياه ومحبَّته. فلنتعلَّم كيف نُرتِّب أولوِيَّاتنا في الحياة الروحية والجسدية كي لا نكون مثل مرثا أُخت لعازر ومريم حين قال لها الرَّب:
“مَرْثَا، مَرْثَا! أَنْتِ مُهْتَمَّةٌ وَقَلِقَةٌ لأُمُورٍ كَثِيرَةٍ. وَلكِنَّ الْحَاجَةَ هِيَ إِلَى وَاحِدٍ، وَمَرْيَمُ قَدِ اخْتَارَتِ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا!” (إنجيل لوقا 41:10-42)
مقالات مُشابِهة
حين تتحول البركة إلى لعنة
عدالة السماء
قصة سارة