كان فيصل تائهاً بين تساؤلاته الكثيرة، وكان الله يجيبه عنها بطرقٍ متنوعَّة، فهل سمع فيصل الإجابة أم قسَّى قلبه ولم يسمعها؟
لم يترك فيصل أيّ رَجُل دين في كل الأديان ولم يحاورهُ أو يناقشهُ بحثاً عن دليل قاطع ملموس على وجود الله، وكم كَثُرَ الشَّارحون وتحمَّسوا وتكلَّموا معه لكنَّه لم يقتنع أبداً، وكل ما حاولَ أحد أن يُخبره عن ذلك كان يردّ قائلاً: لا تتعب معي، بل أرِني الدَّليل أوَّلاً ثمَّ تعال وخاطِبني.
وهكذا مرَّت السَّنوات الطِّوال ووقعَ فيصل أسير مرض عُضال، فقال: يا رَبّ إن كنتَ موجوداً حقّاً فاشفِني من مرضي كي أُصدِّق وجودك، فشُفِيَ بمعجزة، وحين عادَ إلى حياته الطَّبيعيَّة أنكرَ حصول المعجزة معه وقال في نفسه: لرُبَّما أخطأ الأطبَّاء في تشخيص حالتي، فأنا أعرف بأن لا وجود لله، وعادَ إلى سابق عهده ينتظر دليلاً مؤكَّداً أكثر على ذلك.
تجدد المرض
مرَّت الشُّهور وعادَ المرض ينتشر في جسد فيصل أكثر من ذي قبل، وبعد أن زارَ العيادة مجدَّداً وأجرى الفحوصات مرَّة أُخرى، قال له الطَّبيب: أنا أعتذر سلَفاً عمَّا سأُخبرك به، لكن في الحقيقة الطِّب عاجز عن معالجة حالتكَ لأنَّك في المرحلة الأخيرة من المرض. فصاحَ فيصل في وجه الطَّبيب قائلاً: منذ بضعة شهور قلتَ لي أنَّ لا مرض عندي؟ فما الذي حصل الآن؟
ردَّ الطَّبيب: حين أتيتَ إليَّ أوَّل مرَّة، أظهرَت نتيجة فحوصاتك أنَّك في المرحلة المتوسِّطة من سرطان الدَّم، وبعد فترة عادت فحوصاتك وأظهرَت أنَّك سليم معافى، والآن فحوصاتك تُظهر أنَّنا غير قادرين على مساعدتك وأنَّ لديكَ أسابيع قليلة من الحياة كأقصى تقدير.
أُحبِطَ فيصل إحباطاً شديداً، ثمَّ ذهبَ مباشرةً ليُصَلِّي، رَكعَ أرضاً وصرخَ وبكى بكاءً مُرَّاً وقالَ بانكِسارِ قلب: سامحني يا رَب فأنتَ أعطيتني الدَّليل الدَّامغ لكنِّي تجبَّرتُ وأنكرتُ وجودك، أمَّا الآن فأتوسَّلُ إليك أن تُعطيني عمراً جديداً كي أشهَد بوجودك من خلال شِفائي.
وها هو فيصل بعد سنوات كثيرة يجولُ مع فحوصاته الطِّبيَّة ويُريها لكل من يمُرّ في طريقه ويقول: توبوا وارجعوا إلى الله فإنَّه حقّاً موجود وها هو دليل وجوده بين يدي.
العبرة
لا تحتاج إلى البحث طويلاً لكي تتأكَّد من وجود الله، لأنَّ الله في الحقيقة هو أقرَب منكَ إليك، فلا تتهرَّب من مسؤوليَّاتك تجاهه أو تتنكَّر لها كما فعل فيصل أوَّل مرَّة تحت حجَّة عدم وجود دليل كافٍ بين يديه، فكل ما في الكون يُثبِت وجود الله، وتكوينك الجسدي هو أكبر برهان على ذلك.
“السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ” (مزمور 1:19)