رَجُل غريب أخبرَ سالم عمَّا ينتظرهُ من أُمور ونصَحهُ كيف يواجهها، فهل استمعَ سالم لمَشورَة الرَّجُل العجوز وعَمِلَ بها؟
كان سالم رَجُلاً فقيراً، فسافرَ إلى بلدٍ بعيد وعَمِلَ جاهداً بالغُربة، وحين اغتَنى قرَّر الرُّجوع إلى وطنه وعائلته. وقبلَ عَودته ذهبَ إلى السُّوق كي يشتري الهدايا لزَوجته وطِفله الذي ترَكهُ رضيعاً، لكنَّه رأى محلّاً قديماً يحملُ لافِتةً مكتوباً عليها: (تقدَّم واشتَرِ الحِكمة)، فدخلَ إلى المحَلّ ووجدَ رَجُلاً كَهلاً قد أثقلَت السّنون جَفنيه حتَّى أنَّه لم يعُد قادراً على فتحهما، لكنَّه رفعَ رأسهُ وقال للزَّائر بصوتٍ مُتهدِّج: أهلاً بكَ يا بُنيّ، اِجلس واستمع إليَّ واحفظ أقوالي جيِّداً، لأنَّها ستُنجِّيكَ في طريقِ عودتك. فاستغربَ سالم أشدَّ الاستغراب وسأل: وكيف عَلِمتَ أنَّني في صدَد رِحلة عَودة؟ قال الرَّجُل الكَهل استَمِع بعِناية واحفظ ما سأقوله لك، لأنَّ كل جُملة سأتفوَّه بها سوف تُكلِّفكَ عشر ليرات ذهبيَّة، ولن أُعيد قَولها ثانيةً حتى ولو طلبتَ منّي ذلك.
فتحمَّسَ سالم وقال: ها هي العشر ليرات، فتكلَّم أيها الشَّيخ. قال العجوز: اِحذَر من عُبور النَّهر في المساء، وانتظِر الفجر لكي تعبُر. ثمّ سَكَت.
فتحمَّسَ سالم أكثر وقدَّم للعجوز عشر ليرات ذهبيَّة أُخرى قائلاً: وماذا بعد؟
فأجاب العجوز: لا تخشى دُخول الغابة المُظلِمة، لأنَّك ستجِد كنزاً كبيراً هناك. ثمّ سَكَت.
فأخرجَ سالم أيضاً عشر ليرات ذهبيّة للمرَّة الثَّالثة ووضعها أمام الكَهل طالباً المزيد من النَّصائح. فقال الرَّجُل الحكيم: إيّاكَ أن تتسرَّع في أيّ قرارٍ تتَّخذهُ، بل عُدّ للمئة قبل أن تتصرَّف بتهوُّر.
نظرَ سالم إلى حقيبة نُقودهِ فوجدَ ليراته الذَّهبيَّة على وَشك النَّفاذ، فاكتفى بما سَمِعهُ من الرَّجُل العجوز وانصرفَ في طريقه.
على طريق العودة
وفي طريق العودة إلى الدِّيار، وصلَ سالم إلى نهر ورأى أُناساً يعبُرونه. فتذكَّرَ قَول الرَّجُل له بأن لا يقطع النَّهر إلَّا عند الفجر، فجلسَ تحتَ شجرة لينام. وحين استفاق وجدَ أنَّ النَّهر قد فاضَ ليلاً، وابتلعَ كل من كان يعبُر فيه، ما عدا حصاناً استطاعَ أن ينجو من الغرَق، فامتطى سالم الحِصان وعبرَ بهِ النَّهر فجراً، ووصلَ معه إلى الضِّفَّة الأُخرى بخيرٍ وسَلام.
وصلَ سالم إلى غابة كثيفة الأشجار وتذكَّرَ قَول الرَّجُل له، فدخلَ إلى الغابة دونَ خَوف، ثمَّ رأى فيها العديد من جثث العِصابات الذين قتَلوا بعضهم بعضاً، ووجدَ الكثير من الأسلحة والمجوهرات المرميَّة بجانبهم، فقام بدَفن الجثث، وحملَ الأسلحة والمجوهرات والنُّقود على سَرج حصانه.
وحين وصلَ إلى قريته واقتربَ من منزله، رأى زوجته أمام المنزل وهي تُعانق شابّاً بَهِيّ الطَّلعة وتُقبِّلهُ وتمسَح شعرهُ بيَدها، فثارَ غضبهُ وظنَّ أنَّها تخونه ثمَّ حملَ سلاحه كي يُطلِق النَّار عليهما، لكنَّه في تلك اللَّحظة تذكَّرَ قَول العجوز له بأن يعُدَّ للمِئة قبل أن يتصرَّف بتهوُّر، فتراجعَ عن قرارهِ ودخلَ إلى منزلهِ ليرى من هو ذلك الشَّاب! فوجدَ ابنه الذي تركَهُ طفلاً رضيعاً قد كبُرَ وأصبح شابّاً وسيماً، ففَرِحَ سالم لأنَّه لم يقتُل وَلدهُ بتهوُّرهِ، وقالَ في نفسهِ: كم أشكُركَ أيُّها الرَّجُل العجوز، فإنَّ حِكمتكَ قد أنقذَتني ومنعتني من قتل اِبني الوحيد، حقاً إنَّ الحكمة لا تُقدَّر بثمَن.
العبرة
من مِنَّا لا يتمنَّى أن يُقابل شخصاً حكيماً يعلَم بأُمور الغَيب ويعرف خفايا المستقبل ويدُلّنا على طريقة العيش بشكلٍ أفضل؟ في الواقع هذا الشَّخص موجود وهو ليس فقط حكيماً بل هو ينبوع الحكمة والمعرفة والفهم، وهو لا يبتغي المال ولا يريد مِنَّا شيئاً إلَّا أن نُصغي إليه ونقرأ كلمته التي أوحاها لنا، لأنَّها الدُّستور والسِّراج المُنير الذي يُضيء لنا عتمَة هذا الكَون ويدُلّنا على الطَّريق والحقّ كي نحصُل على الحياة.
“رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. وَالعَامِلُ بِهَا ذُو فِطْنَةٍ شَدِيدَةٍ…” (مزمور 10:111)
“وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى الْحِكْمَةِ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ. فَسَيُعْطَى لَهُ.” (رسالة يعقوب 5:1)
مقالات مُشابِهة
الأم الثكلى
ما يزرعه الإنسان إياه يحصد
قصة سارة