sacrifice lamb knife

لا زالت الحادثة المذكورة في كتاب التكوين والإصحاح الثاني والعشرين التي تروي لنا طلب الله لإبراهيم أن يُقدّم له إسحق إبنه كذبيحة، محطّ إهتمام مُختَلَف الأديان وذكرى حميدة تُكرِّرها العديد من الطوائف. لكن ما هو المعنى النبوي الكامن في هذه الحادثة ؟ وماذا نتعلّم من قصّة ابراهيم وإسحق ؟

بالإضافة لطاعة إبراهيم الكاملة للرب وإيمانه بوعود الرب.

أولاًّ : يتضِّح لنا جليًّا أن إبراهيم كان يعلم بقدرة الله على إحياء الموتى، وهذه نظرة نبوية لقيامة الأموات، ذلك لأنه قال لمرافقيه:

فَقَالَ إِبرَاهِيمُ لِغُلاَمَيهِ: «اجلِسَا أَنتُمَا ههُنَا مَعَ الحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالغُلاَمُ فَنَذهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسجُدُ، ثُمَّ نَرجعُ إِلَيكُمَا».
التكوين ٢٢: ٥

عَلِم إبراهيم أن الله قادر أن يقيم إسحق من الموت حتى ولو مات إسحق، من أجل ذلك قال لغلمانه أنَّهم سيرجعون إليهم علی الرغم من أن الطَّلب كان تقديم إسحق ذبيحة.

لم تكن طاعة إبراهيم لخالقه مبنيّة على المجهول أو على إيمان ساذج، بل كانت مبنيّة على معرفة إبراهيم بقدرة الله العجيبة وعلى ثقته بوعود الله، وعلى درايته بأمانة الله تجاه تتميم عهوده.

هذا ما يؤكده لنا كاتب رسالة العبرانيين :

” بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبرَاهِيمُ إِسحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ. قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ:

«إِنَّهُ بِإِسحَاقَ يُدعَى لَكَ نَسلٌ». إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا،…
العبرانيين ١١: ١٧-١٩

القيامة من الأموات ذكرت مرات عديدة في أسفار العهد القديم، لكن في جميع هذه المواضع تبقى مُبهَمة ولا تتضِّح إلا إذا نظرنا إليها بضوء آيات كُتب العهد الجديد. قارن (دانيال ٢:١٢ مع يوحنا ٢٥:٥ و رؤيا ١٢:٢٠). القيامة من الأموات كانت رسالة مؤمني العهد الجديد وكلمة البشارة التي كانوا يكرزون بها، أنّ رجاء القيامة مُمكن بالمسيح فقط، وهذه الرسالة تتثبَّت خلال قيامة المسيح من الأموات في اليوم الثالث، فلو لم يقم المسيح لما كان هناك رجاء بقيامة الأموات (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ٣٢:١٥).

evangelism in arabic

ثانيا : نلاحظ أن إبراهيم كان يعلم أن الرب سيفتدي إسحق من الموت : ” ٧ وَكَلَّمَ إِسحَاقُ إِبرَاهِيمَ أَبَاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِن أَينَ الْخَرُوفُ لِلْمُحرَقَةِ؟» ٨ فَقَالَ إِبرَاهِيمُ: « اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحرَقَةِ يَا ابْنِي ». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. (التكوين ٢٢: ٧- ٨)”. نلاحظ هذا من خلال جواب إبراهيم لإسحق ، بأن الله يرى له الذبيحة، بترجمة أخرى : “فَرَدَّ عَلَيهِ إِبرَاهِيمُ: « إِنَّ اللهَ يُدَبِّرُ لِنَفْسِهِ الْخَرُوفَ لِلْمُحرَقَةِ يَا ابْنِي ». وَتَابَعَا مَسِيرَهُمَا مَعاً.”

كانت ثقة إبراهيم موضوعة بفداء الرب، وهذه الثقة التي تمثَّلت بكلمات التعزية من إبراهيم لإسحق تتنبأ عن فداء المسيح أي تری مسبقًا لمحة عن مخطط الله.

إذ إنّ مفهموم الذبائح للتكفير عن الخطايا كان معلومًا عند الشعب حتى قبل إعطاء الشريعة ( التكوين ٣:٤ ، التكوين ٢٠:٨) ، كما يصف لنا العهد الجديد ضعف هذه الذبائح الحيوانية أمام التكفير عن الخطايا، فهي كانت نموذج أُعطِيَ للشعب لكي يفهم ذبيحة المسيح (الرسالة إلى أهل غلاطية ٢٤:٣).

يُتمِّم الرب يسوع نبوات العهد القديم بضرورة أن يكفِّر المسيح عن خطايا الشعب ويكون وسيط عهد أفضل لأنِّه الإنسان الذي عاش حياة الكمال من دون خطيئة، وهو الإله المتجسد الذي أخضع نفسه طوعًا وقدًّم نفسه ذبيحة كفارية على الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة.

نستنتج أن الله علّم إبراهيم مبدأ الموت البديلي عندما قدّم الرب في جبل المريا كبشًا ليموت بدلاً من إسحاق الذي كان نسل إبراهيم الوحيد في ذلك الوقت (بحسب الوعد).

ونرى أن إبراهيم رد على هذا الاستبدال بتسمية مكان الذبيحة

وَدَعَا إِبرَاهِيمُ اسمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «يَهْوَه يِرأَه» ( وَمَعنَاهُ: الرَّبُّ يُدَبِّرُ ) وَلِذَلِكَ يُقَالُ حَتَّى الْيَومِ «فِي جَبَلِ الرَّبِّ، الإِلَهِ يُرَى».
تكوين ٢٢: ١٤

هذه الحادثة كانت أكثر من تأكيد عام عن العناية الإلهية، والعبرة المشتركة المأخوذة منها تدل على ما سيدبره الله لشعبه من خلاص في المستقبل، ولا سيما أنه ينبغي بعمل النعمة الخالصة تقديم الحمل الحقيقي الذي كان سيُذبح من أجل الناس، أي يسوع المسيح.

بنى سليمان الهيكل على نفس “الجبل” (أخبار الأيام الثاني ٣: ١) ، ومات المسيح بالقرب من ذاك المكان.
وربما كانت كلمات إبراهيم “الرب سوف يدبر” تعبّر أيضا عن الإيمان بأن الله سيقدم يومًا ما ذبيحة للموت كبديل لجميع نسل إبراهيم (بحسب الموعد) لكي يعيشوا.

أقامت شريعة الله لإسرائيل نظامًا من الذبائح عن الخطيئة كنموذج عن ذبيحة المسيح. وقد فَهِم المؤمنون في العهد القديم أن مثل هذه الذبائح لا يمكن أن تحقق التكفير أكثر من التطهير الخارجي، لأن الله خلق نقاط ضعف في نظام الذبائح (الرسالة إلى العبرانيين ١٠: ١-٤).

كانت الذبائح مجرَّد حيوانات. ولا يمكن أن تكون الطقوس بدمائهم بديلاً في نظر الله عن طاعة الإنسان (صموئيل الأول ١٥:٢٢ ؛ مزمور ٤٠: ٦-٨)

لذلك، احتفل رجال الحكمة الروحية والإيمان في العهد القديم بالطقوس من خلال التطلع إلى “الذبيحة الحقيقية”. فالكهنة الذين كفّروا عن خطيئة إسرائيل احتاجوا إلى التكفير عن خطاياهم أولا (لاويين ١٦:١١)

وكان لابد من تكرار عمل الكفارة سنة بعد أخرى (لاويين ١٦: ٢٩-٣٠)، حتى أنه لم يقل أحد من الكهنة “قد تمّ”. وبالتالي، فإن نظام العهد القديم في حد ذاته لا يمكن أن يريح الناس وضميرهم من الخطايا (عب ١٠: ٢)، لأن الضمير لا يمكن تطهيره إلا بدم المسيح وحده.


مقالات مُشابِهة

قصة نوح والطوفان
آيات في التَّوراة تُشير إلى المسيح
فُلك النجاة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.