سمك على الطاولة

خَسِرَ والدهُ باكراً، لكن أمانتهُ للرَّب وتحمُّله للمسؤوليَّة جعلا منهُ رَجُلاً مكانَ ثِقةٍ للجميع.

فادي اِبن الأربعة عشر عاماً تحمَّلَ مسؤوليَّة عائلته بعد أن توفِّيَ والدهُ غرَقاً جرَّاء تحطُّم قارِبه حين ذهب ليصطاد، على الرَّغم من أنَّ جميع الصَّيادين نصَحوه بأن لا يذهب للصَّيد في تلكَ اللَّيلة لأنَّ الطَّقس كانَ عاصِفاً جدّاً، لكنَّه أصرَّ على الذَّهاب لأنَّ عائلتهُ كانت بحاجة ماسَّة للرِّزق الذي سيصطاده، وهكذا فارقَ حياته في سبيل تأمين لُقمة العيش. وها هي سلمى أرملتهُ تُرَبِّي ثلاثة أطفال أصغرهم في الخامسة من عمره وأكبرهم في الرَّابعة عشرة، كانت دائماً تحُثّ أطفالها على الصِّدق والطَّاعة والأمانة.

وفي صباح أحد الأيَّام، وقفَ فادي وقال لوالدته: لقد كَبُرتُ يا أُمّي وسأعمل ليل نهار لكي أَجني المال وأؤمِّن الطَّعام لكِ ولإخوتي.

فابتسمت أُمّه وقالت: لكنَّكَ ما زِلتَ صَغيراً على العمل يا بُنَيّ.

أجابها: لا يا أمّي، لم أعُد صغيراً فأنا الآن رَبُّ الأُسرة وسوفَ أتحمَّل المسؤوليَّة وأكونُ رَجُلاً كما كانَ أبي.

الاجتهاد والمثابرة

ابتدأ فادي يعمل بكل اجتهاد، فذهبَ إلى الصَّيادين الذين كانوا أصدقاء والده، واقترح عليهم بأن يأخُذ منهم بعض السَّمك بالأمانة ليَعرِضهُ للبيع على الخشَبة التي كانَ والدهُ يعرِض عليها السَّمك الذي يصطاده، فوافقوا على ذلك.

وهكذا صارَ يبيع السَّمك ويدفع للصَّيادين حقَّهم ثمَّ يأخُذ حقَّهُ الذي هو عشرة في المئة من المبيع، وبعدها يذهب إلى كنيسة القرية فيدفَع عُشرَ أموالهِ للرَّب كما تعلَّمَ من والديهِ منذُ صِغره، ثمَّ يُعطي ما تبقَّى من المال لوالدته.

كَبُرَ فادي وكان جميع من في منطقة الصَّيادين يعرِفونَ أمانتهُ وصِدقهُ وجدِّيَّتهُ في عمله، حيثُ كانَ يُنظِّف السَّمك بطريقة ممتازة ويهتمّ بالزَّبائن من كل قلبه، وهكذا أصبحَ فادي مقصَداً لكل من يريد أن يشتري السَّمك، والخشَبة الصَّغيرة التي كان يعرِض عليها الأسماك أصبحَت دُكَّاناً صغيراً، وبعد مدَّة كَبُرَ الدُّكَّان الصَّغير وتحوَّلَ إلى مسمَكةٍ كبيرة، وبعد بضع سنوات أصبحَ لمَسمَكة الفادي عدَّة فُروع في أماكن كثيرة استلمَها إخوتهُ الذين كانوا يعملون أيضاً بجدٍّ وأمانة. وهكذا عاشوا بسيرة حسَنة وعاشَت والدتهم معهم مُعزَّزة مُكرَّمة حتَّى آخر لحظة من حياتها.

العبرة

إن كُنتَ تُريد أن يثق النَّاس بِك، فعليكَ أوَّلاً أن تكونَ أميناً مع الله في السِّرّ وفي العلَن، وثانياً عليكَ أن تتحلَّى بالصِّدق والأمانة في تعامُلكَ مع الآخرين لأنَّ هذه هي الأخلاق المسيحيَّة القويمة، فالأمانة وللأسف أصبحت عُملة نادِرة في أيَّامنا هذه.

“كَثِيرُونَ يَدَّعُونَ الصَّلاَحَ، أَمَّا الأَمِينُ فَمَنْ يَعْثُرُ عَلَيْهِ؟” (سِفر الأمثال 6:20)


مقالات مُشابِهة

الأبواب الموصدة
ما يزرعه الإنسان إياه يحصد
قصة سارة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.