عندما يُشرق الله بلحظات من السماء، فتنقشع غشاوة عيوننا، ونُبصر الحقيقة، تتغيّر قلوبنا وتتلامس مع الحق، فنقرر أن نعيش هذا الحق ونتذوق لمحات السماء. فنرغب في أن نخبر كُل الكوّن أننا اكتشفنا الراحة الحقيقيّة. فينبض قلبنا لهفتًا لرغبةً منّا في أن نخبر كل من نحب بالحقيقة. وقد تكون إحدى الأمور التي تخطر بذهنك هو أنك ترتدي الصليب لأنك الآن أصبحت تتبع المسيح المخلص الفادي. لكن هل فعلًا يجب على المسيحيّ أن يرتدي الصليب؟
إنه شيء رائع أنك تبحث عن إجابة لهذا السؤال رغبةً منك في إتباع وفعل كل ما هو صحيح. ولكي نصل للإجابة الصحيحة على هذا السؤال نحتاج أن نعرف مكانة الصليب ومفهوم الإيمان الحقيقيّ طبقًا للكتاب المقدس.
مكانة الصليب
لقد كان الصليب رمزًا للعار والقتل قبل المسيح، لكن بعد التضحيّة العظيمة التي قدمها المسيح، أصبح الصليب رمزًا للحب. فالصليب هو الوسيلة التي استخدمها الله ليفدتينا. لذلك يُكرِم المسيحيّون الصليب، لكن لا يعبد المسيحيّون الصليب. فلم نجد في الكتاب المقدس أي آية تقول بعبادة الصليب، بل نجد آيات تقول بأن العبادة لله فقط حيث نقرأ:
لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ!
إنجيل لوقا 4: 8
أيضًا لا توجد أي إشارة في الكتاب المُقدس تقول بأن تلاميذ المسيح أرتدوا الصليب، ولا أوصوا بإرتداء الصليب. بل أن كثير من كتب التاريخ تقول بأن المسيحيّين الأوائل لم يستخدموا رمز الصليب في الكنائس إلا بعد عام 586 ميلاديّة. أما الكتاب المُقدس فهو واضح بخصوص استخدام منحوتات أو رموز من شأنها أن تُبعد الإنسان عن المغزى الحقيقيّ للإيمان بالله الواحد. فنجد في سفر الخروج يقول:
لَا تَنْحَتْ لَكَ تِمْثَالاً، وَلا تَصْنَعْ صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ أَسْفَلِ الأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ
خروج 20: 4 – 5
فالكتاب المقدس يحذرنا من أن ننحرف بعيدًا عن الإيمان بالله وننساق وراء أي عبادة أخرى. إذًا لماذا يوجد الصليب في بعض الكنائس؟
يوجد الصليب في الكنائس وأحيانًا في منازل المسيحيين ليس للعبادة ولكن كنوع من الإكرام وعلامة الحب الإلهيّة ليس لخشبة الصليب ولكن لأن كلمة وعلامة الصليب تشير إلى عمل المسيح الفدائيّ ككل، وما صنعه المسيح على الصليب. وهذا لا يعني أن الشخص الذي يضع الصليب هو أكثر إيمانًا أو تقوى ممن لم يضع الصليب. بل نقرأ في العهد الجديد أن المسيح يُعلّم أن نُظهر إيماننا به ليس بالرموز أو الشكليات لكن بأفعالنا فتقرأ ما يقوله المسيح عن إظهار الإيمان الحقيقي كالتالي:
هكَذَا، فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ أَمَامَ النَّاسِ، لِيَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ
إنجيل متى 5: 16
وأيضًا نقرأ أن الإيمان الحقيقي هو الذي في القلب وليس بالأمور الخارجيّة الشكليّة فنقرأ في عبرانيين:
فَهَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَضَعُ شَرَائِعِي دَاخِلَ ضَمَائِرِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً.
الرسالة إلى العبرانيين 8: 10
هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَضَعُ شَرَائِعِي فِي دَاخِلِ قُلُوبِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا فِي عُقُولِهِمْ»
الرسالة إلى العبرانيين 16:10
فالرب يسوع نفسه يعلمنا أن الإيمان والعبادة الصحيحة يجب ألا ترتبط بمكان أو شيء مادي معين فنقرأ في يوحنا قائلًا:
فَسَتَأْتِي سَاعَةٌ، بَلْ هِيَ الآنَ، حِينَ يَعْبُدُ الْعَابِدُونَ الصَّادِقُونَ الآبَ بِالرُّوحِ وَبِالْحَقِّ. لأَنَّ الآبَ يَبْتَغِي مِثْلَ هؤُلاءِ الْعَابِدِينَ. اللهُ
رُوحٌ، فَلِذلِكَ لابُدَّ لِعَابِدِيهِ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوهُ بِالرُّوحِ وَبِالْحَقِّ».
إنجيل يوحنا 4: 24
فالإيمان الحقيقيّ ليس بالرموز الخارجيّة الشكليّة، ولكن بالقلب المتعلق بالمسيح، بالقلب الذي يطيعه ويسلك في دربه. فالصليب هو علامة الحب التي يكرمها المسيحيون. وهذا يعني أنه ليس شرطًا أن تضع أو ترتدي الصليب خصوصًا إذا كان ذلك سيسبب لك المضايقات. الله روح وينظر للداخل لقلب الإنسان وليس للأمور الخارجيّة حيث مكتوب:
يَا ابْنِي هَبْنِي قَلْبَكَ، وَلْتُرَاعِ عَيْنَاكَ سُبُلِي.
أمثال 23: 26
فالإيمان الحقيقيّ هو بتسليم القلب لله وبالتغيير الحقيقيّ الذي يحدث في القلب، ثم السلوك كأبناء نور في سبل وطرق الرب. هذا يعني أن من يرتدي الصليب ليس أكثر إيمانًا ممًا لم يرتد الصليب. ولكن الذي يهم هو هل أنت مؤمن بكل قلبك وفكرك ومشاعرك وكيانك وكل ما فيك بالمسيح الذي افتدانا.
فلا تتقيد بالشكليات وعش الحريّة في المسيحيّة واضعًا توجه قلبك هو البوصلة التي بها تقييس هل انت حقيقيّ أم لا. واحفظ أرجلك دائمًا في مسالك مستقيمة في الرب.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
الصليب
هل ترك الله يسوع وهو على الصليب؟
لماذا يُكرم المسيحيّون الصليب؟
الأساسيات في المسيحية