كوب من النبيذ على عتبة النافذة

هل الخمر حلال في المسيحيّة؟

من أوائل الأسئلة التي قد تتبادر إلى ذهن الإنسان عندما يبدأ استكشاف أي مُعتقد أو إيمان هو سؤال الحلال والحرام. وكأن الإنسان عبارة عن آله يتم برمجتها بما هو حلال وبما هو حرام، بالرغم من أن الله خلق الإنسان مُرتقيًّا به، مُشركًا إياه في رسم لوحة حياته بصورة تتسق مع المباديء الإلهيّة لتصميم الإنسان. ومن أكثر الأسيلة شيوعًا عن الحرام والحلال في المسيحيّة هو سؤال الخمر. فهل الخمر حلال في المسيحيّة؟

بالرغم من أن السؤال نفسه خطأ لأن فعل الصواب ليس مبني على فكرة الحلال والحرام بل على العلاقة مع الله ومبادئها التي تشكل حياتنا، فنفعل الصواب ليس لأنهُ حلال، ولكن لنعيش حياة إنسانيّة حقيقيّة كما أرادها الله أن تكون فنكون جزء من اللوحة المُبدعة للكون مُحققين غرض حياتنا، إلا أنه يمكننا فحص الإطار العام لفكرة الخمر في الإيمان المسيحي.

إن الأكل والشرب من حيث المبدأ لا ينجس الإنسان فالمسيح قال:

ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «اِسْمَعُوا وَافْهَمُوا: لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هُوَ الَّذِي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ».
إنجيل متى 15: 10- 11

لكن أيضًا مكتوب:

كُلُّ شَيْءٍ حَلالٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ. كَلُّ شَيْءٍ حَلالٌ، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَبْنِي.
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 10: 23

فالأكل والشرب ليس هو المشكلة، لكن طريقة استخدامنا للأكل والشرب هي المشكلة. فإذا كان استخدام الشئ يبني، فهذا شئ جيد. إما إذا كان يهدم، فهذا شر. فمثلًا إذا تم استخدام الخمر كإحدى مكونات دواء معيّن لعلاج الانسان، ففي هذه الحالة هذا استخدام جيد. أما إذا استخدم الإنسان الخمر لكي يهرب من مشاكله ويغيّب عقله ويسكر ويدمن، فهذا استخدام خاطيء حيث مكتوب:

كُلُّ شَيْءٍ حَلالٌ لِي، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ. كُلُّ شَيْءٍ حَلالٌ لِي، وَلكِنِّي لَنْ أَدَعَ أَيَّ شَيْءٍ يَسُودُ عَلَيَّ.
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 12

فمقياس الاستخدام هو الذي يحكم. فالمسيحيّة ترفض السكر لأن في السكر يغيب عقل الإنسان. ففي كل مرة تريد أن تسأل هل هذا الشئ حرام أو حلال، أسأل نفسك أولًا هل هذا الشئ ضار بالإنسان وبالخليقة أم استخدامه بهذه الطريقة مفيد؟ فالسكر هو شئ ضار لأنه يغيب عقل الإنسان يغيب الإنسان عن إنسانيته ويحوله إلى شيء أقل من الإنسان غير متحكم في أفعاله. أو قد يحوله إلى عبد للخمر نفسه إذا أدمنه الإنسان، فكيف نذهب إلى عبودية الخمر إذا كان المسيح حررنا. ليس الخمر فقط بل عبودية الأكل أو الجنس أو أي نوع من أنواع العبودية حيث مكتوب:

فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ تَصِيرُوا بِالْحَقِّ أَحْرَاراً.
إنجيل يوحنا 8: 36

فبالنسبة للخمر، يحذر الكتاب المقدس من السكر أو عبودية الخمر وإدامنه في مواضع كثيرة سأذكر بعض الآيات في كلا العهدين من الكتاب المقدس على سبيل المثال وليس الحصر:

الْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ، وَالْمُسْكِرُ صَخَّابٌ، وَمَنْ يُدْمِنْ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ.
أمثال 20: 1

لَا تَكُنْ وَاحِداً مِنْ مُدْمِنِي الْخَمْرِ، الشَّرِهِينَ لاِلْتِهَامِ اللَّحْمِ، لأَنَّ السِّكِّيرَ وَالشَّرِهَ يَفْتَقِرَانِ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ تَكْسُو الْمَرْءَ بِالْخِرَقِ.
أمثال 23: 20- 21

لِمَنِ الْمُعَانَاةُ؟ لِمَنِ الْوَيْلُ وَالشَّقَاءُ وَالْمُخَاصَمَاتُ وَالشَّكْوَى؟ لِمَنِ الْجِرَاحُ بِلا سَبَبٍ؟ وِلِمَنِ احْمِرَارُ الْعَيْنَيْنِ؟ إِنَّهَا لِلْمُدْمِنِينَ الْخَمْرَ، السَّاعِينَ وَرَاءَ الْمُسْكِرِ الْمَمْزُوجِ.
أمثال 23: 29- 30

لَيْسَ لِلْمُلُوكِ يَا لَمُوئِيلُ، لَيْسَ لِلْمُلُوكِ أَنْ يُدْمِنُوا الْخَمْرَ، وَلا لِلْعُظَمَاءِ أَنْ يَجْرَعُوا الْمُسْكِرَ. لِئَلّا يَسْكَرُوا فَيَنْسَوْا الشَّرِيعَةَ، وَيَجُورُوا عَلَى حُقُوقِ الْبَائِسِينَ.
أمثال 31: 4- 5

لَا تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ، فَفِيهَا الْخَلاعَةُ، وَإِنَّمَا امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ،
الرسالة إلى أهل أفسس 5: 18

أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ اللهِ؟ لَا تَضِلُّوا: فَإِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَنْ يَرِثَهُ الزُّنَاةُ وَلا عَابِدُو الأَصْنَامِ وَلا الْفَاسِقُونَ وَلا الْمُتَخَنِّثُونَ وَلا مُضَاجِعُو الذُّكُورِ وَلا السَّرَّاقُونَ وَلا الطَّمَّاعُونَ وَلا السِّكِّيرُونَ وَلا الشَّتَّامُونَ وَلا الْمُغْتَصِبُونَ.
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 9- 10

فكل الآيات السابقة لا تقول أن الخمر كمادة في حد ذاتها حرام، لكن طريقة استخدامنا لها. لكن الآيات واضحة أن السكر هو أمر مرفوض لأنه يغيب العقل ويهلك جسد الإنسان حيث مكتوب:

أَلا تَعْرِفُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَأَنَّ رُوحَ اللهِ سَاكِنٌ فِيكُمْ؟ فَإِنْ دَمَّرَ أَحَدٌ هَيْكَلَ اللهِ، يُدَمِّرُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ، وَهُوَ أَنْتُمْ.
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 3: 16- 17

إن الله كرّم الإنسان جدًا. ولم يضع له مجرد قوانين ينفذها ولكن وضع لهُ مباديء. هذه المباديء تحكم كل أمور حياتنا. وهذا أسمى وأفضل من مجرد وضع قوانين. واحدى المباديء الأساسيّة هي هل استخدام الشيء مُدمر لك أو للإنسان أو للخليقة، أم ينتج عنه خير لك ولأخيك الإنسان وللخليقة. فكلما تعمقت في العلاقة مع الله ومعرفة الله من خلال الكتاب المقدس، كلما استنار ذهنك لكل ما هو يليق وكلما تحرر ذهنك وفعلك من كل شر. وكلما تركت كل خطية من ماضيك، وسرت مع الله.

الكاتبة: لمياء نور

Masters of Arts in Theology, ETSC


مقالات مُشابِهة

هل المسيحيّة تُبيح الزنا؟
الأخلاق المفقودة
لماذا يتزوج الرجل المسيحيّ امرأة واحدة؟
الأساسيات في المسيحية


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.