رمز الثالوث على خلفبة زرقاء

سنوضح في المقال التالي كيف أنَّ الثَّالوث يضمن أن يكون الله هو المعيار الأسمى للصَّلاح، وأنَّ ما يوصي به شعبه يتوافق مع طبيعته.

يوتيفرو هو شخصيَّة مذكورة في حِوارات أفلاطون، حيث يذكر لنا أفلاطون كيف أنَّ يوتيفرو طرحَ سؤالاً تحدَّى فيه كل من يؤمن بالله قائلاً: لماذا يأمُر الله بوصيَّة ما، هل لأنَّ الوصيَّة صالِحة بذاتها؟ أم أنّها تصبح صالِحة لأنَّ الله أمرَ بها؟

يُسمَّى هذا الطَّرح “بالمُعضِلة” لأنَّه ظاهرِيّاً يضع الشَّخص أمام خيارين وكل منهما يحتوي على مُغالَطة. فلو أجاب أحدٌ ما بأنَّ الله أمرَ بالوصيَّة لأنَّها صالِحة في ذاتها فهذا يعني أنَّ الخير والشَّر هي معايير يجب أن يتوافق معها الله كما البشر. على سبيل المثال حين قال الله: “لا تقتل” فهو أمرَ بذلك لأنَّ القتل غير صالِح للمجتمع وقد أَوصى بذلك لِما فيه من أُمور إيجابيَّة مفيدة لحياة البشر لكي يستطيعوا العيش بسَلام. لكن هذه الإجابة تفترِض مُسبقاً وجود معيار للصَّلاح خارج الله، ويجب عليه تعالى أن يتوافق مع هذا المعيار في كل وصيَّة يأمر بها، ليصبح الله بذلك ليس هو المعيار الأسمى للصَّلاح، بل هو أيضاً يكون محكوماً بمُسَلَّمات موجودة بمعزِل عنه ويجب عليه أن يتقيَّد بها. لكن هذه المُسَلَّمات بحسب هذه الإجابة قد تُنافِس الله في الأزليَّة بحيث تبقى موجودة بمعزِل عن وجود أحد لتطبيقها، والإجابة عن مصدرها يبقى أمراً مُبهَماً.

لكن إن أجابَ أحد قائلاً أنَّه لا يوجد مُسَلَّمات للصَّلاح ولا معيار خارج الله، بل إنَّ كل ما يأمر به الله يصبح صالِحاً لأنَّ الله هو من أمرَ به، فيكون بذلك أنَّ الله هو المعيار الوحيد الأسمى للصَّلاح. لكن هذا الحلّ الذي يبدو واقعي ظاهرِيّاً، يطرح مشكلة هو الآخَر. فهذه الإجابة تجعل من الله مصدَر عشوائي للأخلاقيَّات، بحيث تكون الوصيَّة صالِحة لفترة معيَّنة من الزَّمن، وقد تتغيَّر ربَّما في زمن آخَر، وبذلك يكون الله عُرضةً لتبديل وصاياه مع اختلاف المواقف، ممَّا يجعل الوصيَّة غير صالِحة لكل زمان ومكان، ليصبح بذلك وجود معيار ثابت للصَّلاح (الخير والشَّر) أمراً مستحيلاً، ممَّا يقضي على فكرة كَون الوصيَّة صالِحة بذاتها، فيقتصر صَلاحها على ما يحدِّده الله لفترة معيَّنة من الزَّمن.

trinity in arabic

الحل المسيحي

لا حلّ لهذه المُعضِلة خارج المفهوم المسيحي عن الله فهو الوحيد القادر أن يقول أنَّها مُعضِلة زائفة لأنَّه يقدِّم إجابة ثالثة وهي بأنَّ الله يأمر بالوصيَّة لأنَّها تتوافق مع طبيعته، فهي صالِحة لأنَّه أمر بها، وهو قد أمر بها لأنَّها صالِحة في نفس الوقت، وبذلك تكون وصايا الله صالِحة لكل زمان ومكان، ويبقى الله نفسه هو مصدَر هذه المُسَلَّمات الأخلاقيَّة ووصاياه دائماً متوافقة معها. بإمكان المسيحي الإجابة هكذا لأنَّ الكتاب المقدَّس يُعلِّم أنَّ صفات الله الأدبيَّة فاعِلة فيه قبل الخَلق، لأنَّه هو الإله الحقيقي المُثَلَّث الأقانيم أي ما يُعرَف بالوحدانيَّة الجامِعة. فالذين يؤمنون بالوحدانيَّة المُطلَقة لا يستطيعون تقديم هكذا إجابة، لأنَّ الله بحسب مفهومهم لم تكُن صفاته فاعِلة قبل الخَلق، فلو قُلنا أنَّ صفات الله موجودة لكن لم تكُن فاعِلة لجَعلناها عُرضة للتَّغيير، إذ إنَّها دخلت حيِّز التَّنفيذ في مرحَلة ما من الزَّمن (بعد الخَلق) مُكتَسِباً الله بذلك معرفة إضافيَّة لم تكُن موجودة لديه قبلاً.


لا حلّ لهذه المُعضِلة خارج المفهوم المسيحي عن الله


نحن نقدر أن نقول أنَّ وصايا الله نابِعة من صفاته، فالله هو المصدَر الأسمى والوحيد للصَّلاح، فهو قدُّوس ولا يمكن أن يأمر بما لا يتوافق مع قداسته أو بما لا يتماشى مع طبيعته. ولأنَّ الله بارّ فهو لا يمكن أن يخطئ، وهو المُشَرِّع لما يتوافق مع الحقّ لأنَّه هو مصدَره، بإمكاننا القول مع اللَّاهوتي أنسِلم: “لا يوجد أيّ شيء فوق العدالة المُطلَقة التي هي لا شيء آخر سِوى الله نفسه، ولا يستطيع الله أن يقوم بأيّ شيء لا يتوافق مع طبيعته”.* وإحدى الأُمور التي تتوافق مع طبيعة الإله القدُّوس هي أنَّه لا يمكن أن يترُك المُذنِب دون عقاب، لكنَّه أيضاً يريد أن يَرحم شعبه لذلك صنعَ بنفسهِ كفَّارة عن الذُّنوب عبر فِداء المسيح لهم.

  1. Anselm of Canterbury. St. Anselm, Brian Davies, G. R. Evans


مقالات مُشابِهة

ما هو الثالوث؟
آيات عن الثالوث
ضرورة وجود الله كثالوث


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.