كلنا يعرف جاليليو ومحاكمة الكنيسة له بسبب نظرياته العلمية المغايرة لتعاليمها. سنتكلم عن مدى صحة هذه المعلومات عبر تحليل الأدلة التاريخية بموضوعية.
المعتقد المغلوط السَّائد عن جاليليو أنَّه شخص تبنَّى نظريَّة كوبّرنيكوس عن مجموعتنا الشَّمسيَّة والتي تقول إنَّ الشَّمس هي محور المجموعة الشَّمسيَّة وليست الأرض كما كان سائداً آنذاك وفق ما يُعرَف بنظريَّة بطليموس، وأنَّ نظريَّة كوبّرنيكوس كانت مغايرة لمعتقدات الكنيسة التي كانت تستمدّ مفهومها العِلمي من الكتاب المقدَّس، لذلك عذَّبت محاكم التَّفتيش جاليليو وقتله دون رحمة، ومنذ ذلك الوقت أصبح الدِّين في مواجهة مع العِلم الحديث، وصارَ يُعتبَر الدِّين المسيحي مُنافياً للعقل ومحطِّماً لقدرة العلَماء، فالعالِم لا يمكن أن يكون متديِّناً. لكن هل هذا حقّاً ما حدث؟ وهل كانت هذه هي نظرة الكنيسة للعِلم أو للكتاب المقدَّس؟ تسود للأسف نظرة سلبيَّة خاطئة عن كنيسة القرون الوسطى بأنَّها تؤمن أنَّ المعرفة العلميَّة لا يمكن العثور عليها إلَّا في الكتاب المقدَّس وفي تقاليد الكنيسة، وأنَّ الكنيسة كانت مستعدَّة دائماً للُّجوء إلى السُّلطة المدنيَّة لإجبار النَّاس على الخضوع لقراراتها، وأنَّها قد كانت حجر عثرة للتَّقدُّم الفكري في أوروبّا لأكثر من ألف عام.
العلم والكنيسة في القرون الوسطى
أجرى مجموعة من الباحثين في هارفارد أبحاثاً تاريخيَّة تجلَّت في كِتاب حاولوا أن يدحضوا من خلاله العديد من المُغالطات التَّاريخيَّة التي يُردِّدها النَّاس وتُكرِّرها المواقع الإلكترونيَّة، وذلك عبر الاحتكام هؤلاء الباحثين للأدلَّة التَّاريخيَّة المتوفِّرة وفق منهجيَّة علميَّة. لم يكن هدفهم الدِّفاع الأعمى عن قضيَّة محدَّدة أو دين محدَّد بل هم مختصُّون تحدَّثوا بموضوعيَّة ونظروا إلى التَّاريخ بشكل محايد ونقضوا حتَّى ادِّعاءات بعض المسيحيِّين غير الصَّحيحة عن التَّاريخ، كقول بعض المسيحيِّين أنَّه من دون الكنيسة لم يكن هناك عِلم. حيث قال الباحثون: “لا يمكن للمرء أن يُعيد سرد تاريخ العِلم الحديث دون الاعتراف بالأهميَّة الحاسمة للمسيحيَّة. لكن هذا لا يعني أنَّ المسيحيَّة وحدها أنتجت العِلم الحديث، مثلما لا يعني أنَّ تاريخ الفن الحديث يمكن اختصاره في بيكاسو بالرَّغم من إسهاماته العظيمة. هناك ببساطة ما هو أكثر من ذلك في القصَّة.”¹ وقالوا أيضاً: “إنَّ المفهوم الذي سادَ عن العصور الوسطى باعتبارها ألفيَّة من الرُّكود الذي جلبَته المسيحيَّة، قد اختفى إلى حدٍّ كبير بين العلماء المطَّلِعين على تلك الفترة لكنَّه ظلَّ قويّاً بين رُواة تاريخ العِلم، ربَّما لأنَّه بدلاً من عودة الباحثين لتطبيق التَّاريخ العِلمي (مراجعة الأدلَّة) في هذا الموضوع، اعتمدوا على رأي أسلافهم دون محاولة التَّأكُّد منه وصاروا كالمُروِّجين الشَّعبيِّين.”² ومن هذه الأساطير التي يحاول الباحثون دحضها هي قصَّة محاكمة جاليليو ونظرة الكنيسة للعِلم.
الأساطير عن كنيسة القرون الوسطى وتعامُلها السَّيِّء مع العلماء كثيرة، لكنَّها مجرَّد ادِّعاءات لا تصمد أمام الأدلَّة. للأسف الشَّديد نجد الكثير من المعلومات الخاطئة على بعض مواقع الإنترنت التي تنشر كتابات دون تحليل نقدي أكاديمي بل فقط وفقاً لما يتماشى مع أجندتها، فقصَّة سجن روجر بايكون مثلاً الذي عاش في القرن الثَّالث عشر بدأت بالظُّهور بعد أكثر من ثمانين سنة على موته، وهذا ادِّعاء تشوبه الكثير من الشُّكوك، صحيحٌ أنَّ الكنيسة (في محيطه وليس الكنيسة في كل مكان) لم تكن تتَّفق مع أفكاره لكنَّها لم تعتقله أو تقتله على الرَّغم من أنَّها أدانته عام 1215، والدَّليل أنَّ روجر بايكون كان يُدرِّس فيزياء أرسطو في باريس في أربعينيَّات القرن الثَّاني عشر أي بعد سنوات طويلة من إدانة الكنيسة له. لكن الحقيقة عن الكنيسة والعِلم في القرون الوسطى هي كما يرويها العلماء المختصُّون، فبحسب المؤرِّخ العِلمي جون هيلبرون الذي لم يكن يهمّه الدِّفاع عن الكنيسة الكاثوليكيَّة: “أعطت الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة المزيد من الدَّعم المالي والاجتماعي لدراسة عِلم الفلَك لأكثر من ستَّة قرون أكثر من أيّ مؤسَّسة أُخرى، ابتداءً من فترة استعادة التَّعليم القديم أواخر العصور الوسطى وصولاً إلى عصر التَّنوير.”³
لم تكُن الكنيسة ضدّ العِلم بل على العكس كانت منفتحة للعديد من التَّجارب العلميَّة وقد قبِلت كل ما كان يُثبَت تجريبيّاً. وقد اكتشفَ العديد من العلماء أُموراً مهمَّة لأنَّهم كانوا مدفوعين بالإيمان بالله، فهم توقَّعوا أن يجدوا نظاماً في الطَّبيعة لأنَّهم آمنوا أنَّها طبيعة منظَّمة من قِبَل خالق. ومنهم كوبّرنيكوس، جاليليو، ديكارت، باسكال، نيوتن، وغيرهم، وحتَّى أينشتاين لم يدع وجود الله يتعارض مع العِلم: “لم يرَ أينشتاين أنَّ هناك صراعاً بين العِلم والدِّين، ولم يرَ أنّ قوانين العِلم دمَّرت فكرة وجود إله شخصي. بل كان يرى أنَّ تجاوز هذا المفهوم هو مجرَّد مرحلة في نضج الدِّين.”⁴
يقول علماء هارفارد في هذا الكتاب أيضاً: “التَّقويم الحديث (أي الرُّوزنامة الشَّمسيَّة الغريغوريَّة) الذي صدرَ في عهد البابا غريغوري الثَّالث عشر عام 1582 لا يزال يُستخدَم حتَّى اليوم، وضعَه عالِم الرِّياضيَّات والفلَكي اليسوعي كريستوف كلافيوس (1538-1612). كان عِلم الفلَك والكونيَّات مواضيع ذات أهميَّة خاصَّة لليسوعيِّين. درسَ كريستوف شاينر (1573–1650) البقع الشَّمسيَّة ومذنَّبات أورازيو غراسي (1583–1654)، وقدَّم جيامباتيستا ريتشولي (1598–1671) سِجِلّ تصنيف النُّجوم وهي خريطة قمريَّة مفصَّلة توفِّر الأسماء التي لا تزال تُستخدَم حتَّى اليوم للعديد من معالِمه. وأكَّدوا تجريبيّاً قوانين جاليليو الخاصَّة بالأجسام المتساقطة عن طريق قياس معدَّلات تسارُعها الدَّقيق أثناء الهبوط…”⁵
قصة جاليليو: القرون الوسطى والعلم
قبلَ أن نشرح ما حصل مع جاليليو علينا أن نتحدَّث قليلاً عن ما يهمّنا من تاريخ القرون الوسطى لكي نمهِّد لصُلب الموضوع. تلك الأيَّام لم يكن هناك فروع علميَّة أكاديميَّة تخصّ علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء والكونيَّات وإلى ما هنالك، لأنَّ الأدوات اللَّازمة لم تكن قد اختُرِعت بعد، فلم يكن هناك مُكبِّراً لرؤية الفضاء أو مجهراً لرؤية الخلايا، كل تلك العلوم كانت تندرج تحت تصنيف الفلسفة كون معظمها يعتمد على تفكير نظري، وكانت الاستنتاجات التي توصَّل إليها أرسطو في مراقبته للطَّبيعة هي المنهاج الأكاديمي في تلك الأيَّام، لذلك لم يكن يُنظَر إلى جاليليو كعالِم بل كفيلسوف آخَر بنظريَّة ما.
القصَّة ليست بتلك البساطة، فلم يتبنَّ جاليليو نظريَّة علميَّة جديدة كما تُعرف النَّظريَّات اليوم التي تُبنى على أدلَّة تجريبيَّة، ولو صدَّقنا ذلك لارتكبنا مفارقة تاريخيَّة، فالنَّظريَّات العلميَّة تلك الفترة كانت بمعظمها نظريَّة، أمَّا العلميَّة التَّجريبيَّة الحقيقيَّة فلم تكن موجودة بعد ولم تبدأ بالظُّهور إلَّا بعد التَّنوير مع نهاية القرون الوسطى ومع توفُّر الأدوات العلميَّة اللَّازمة. لذلك يجب أن نفهم قصَّة جاليليو في سياقها التَّاريخي، والفكرة التي تبنَّاها كانت ربَّما أوَّل نظرة علميَّة ثوريَّة بكل معنى الكلمة ولها تأثيرات على جوانب عديدة على رأسها المنهاج الأكاديمي، ونظراً للنَّمط الاجتماعي السَّائد تلك الأيَّام فمن الطَّبيعي أن تُواجَه فكرة جاليليو بالاستغراب، وحتَّى لو أنَّ جاليليو وُلِدَ في مكان آخر من العالَم وتبنَّى هذه الفكرة لكانَ أيضاً سيواجَه بالرَّفض.
الحقيقة أنَّ الإيمان بمركزيَّة الأرض لم يبدأ مع المسيحيِّين بل هو المعتقد الذي سادَ من اليونانيِّين إلى الرُّومان وكان سائداً في كل العالَم، وليس للكتاب المقدَّس دَور في إرساء نظريَّات علميَّة لأنَّ الغرض منه ليس أن يكون كتاب علوم، وحتَّى لو استخدم البعض آيات معيَّنة منه خارح سياقها التَّاريخي لكي يُعلِّموا أُموراً عن الكون، فهذا لا يجعل من الكتاب المقدَّس كتاب عِلم بل يجعل من يستخدمه لهذا الغرض شخص مخطئ. الكتاب المقدَّس يتحدَّث من وجهة نظر المُراقِب فهو يتحدَّث لأشخاص بدائيِّين بمفاهيم متعارَف عليها عندهم. مثلاً يقول الله لبني إسرائيل: “لا تفتكروا في قلوبكم” (زكريَّا 17:8)، وذلك ليس لأنَّ مركز الفِكر في القلب بل لأنَّ اليهود كانوا يظنُّون ذلك، فبالنِّسبة لهم القلب ليس العضَلة التي تضخّ الدَّم بل هو مركز مشاعر وإحساس الإنسان، والرَّب استخدم هذا المفهوم لتوصيل الرِّسالة إليهم، فلم يكن عليه أن يقول لهم: “اسمعوا يا بني إسرائيل، القلب هو مجرَّد عضَلة في الجسم، أمَّا مركز الفِكر هو العقل والخلايا الرَّماديَّة” لأنَّ هدف الوَحي ليس صناعة ثورة علميَّة بل ثورة روحيَّة.
جاليليو كان أُستاذاً في الرِّياضيَّات التي كانت من العلوم غير المهمَّة تلك الأيَّام على خلاف ما قد نتوقَّع، فالحاصل على أصغر شهادة أكاديميَّة مدرسيَّة اليوم سيكون على عِلم بالرِّياضيَّات أكثر من جاليليو. كان لكوبّرنيكوس بعض الأفكار التي تدعم مركزيَّة الشَّمس والتي وضعَها في كتاب لم ينشره في البداية، وقد شاركَ أفكاره مع بعض أصدقائه، وسنة 1543 نشرَ أوَّل كتاب له حول هذا الموضوع، ولكي نُفاجئ أصحاب نظريَّات المؤامرة نقول إنَّ أحداً لم يهتمّ لرأي كوبّرنيكوس ولم يخطر على بال أحد محاكمته، فهو بالنِّسبة لهم مجرَّد فيلسوف مع نظريَّة جديدة، وقد تطلَّب الأمر جاليليو لكي تتبلوَر هذه النَّظرة في أوروبّا. كما أنَّ كتاب كوبّرنيكوس لم يقدِّم حلّاً نهائيّاً للنَّظريَّة بل قدَّم أفكاراً فلسفيَّة بمعظمها تتحدَّى المفاهيم السَّائدة المختصَّة بما يُعرَف بنظريَّة بطليموس وأرسطو عن مركزيَّة الأرض. كما أنَّ النَّظريَّة التي أتى بها كوبّرنيكوس لم تكن مدعومة بأدلَّة تجريبيَّة بل فقط عبر مُعادَلات رياضيَّة لذلك لم يكن من المتوقَّع قبولها بسرعة، فحتَّى نظريَّات أينشتاين لم تحظَ بالقبول الواسع السَّريع، هذه طبيعة النَّظريَّات العلميَّة الجديدة فما بالك إن كان ذلك في القرن السَّادس عشر. حتَّى جاليليو نفسه اعتقدَ لفترة طويلة أنَّ كوبّرنيكوس كان مخطئاً، إلى أن تمَّ اختراع التِّلسكوب أيَّام جاليليو واستخدمه بنفسه فاقتنعَ بفكرة كوبّرنيكوس. اختُرِع التِّلسكوب في هولندا أوَّلاً ثمَّ طوَّره جاليليو، لكنَّه ليس هو من اخترعه. كان التِّلسكوب اختراعاً ثوريّاً من شأنه أن يُغيِّر النَّظرة عن الكون. طبعاً لم يكن التِّسلكوب متوفِّراً للجميع وكان الأمر بالنِّسبة لمُعظَم النَّاس لا يزال مجرَّد تفكيراً نظريّاً، مجرَّد فلسفة.
محاكمة جاليليو الأولى
من المهم التَّوضيح أنَّ تعليم جاليليو ظهرَ في فترة حرجة جدّاً فكريّاً في أوروبّا وهي فترة الإصلاح البروتستانتي، حيث كانت كنيسة روما تحت تأثير صدمة مدمِّرة فنصف أوروبّا خرجَ عن سيطرتها، وكان البروتستانت أيضاً في صراع لإثبات وجودهم في بعض البلدان وتأمين حريَّة المعتقَد لمن تبعوا تعاليم المُصلِحين، لذلك كان من الطَّبيعي أن تُثار الشُّبهات على أيّ نظريَّة جديدة سواء من الطَّرف الكاثوليكي أو البروتستانتي.
لا نريد أن نخفِّف من وطأة الأمر، لكن أوَّل مرَّة مثَلَ جاليليو أمام المحكمة سنة 1615 لم يُعذَّب أو يُضرَب ولم يتعرَّض له أحد على عكس الشَّائعات، ولا حتَّى في مُثوله الثَّاني سنة 1633: “لا تترك هذه الشَّهادة أيّ مجال للشَّك في أنَّ جاليليو قد تعرَّض للتَّهديد بالتَّعذيب أثناء استجوابه في 21 يونيو (أي مُثوله الثَّاني أمام المحكمة سنة 1633). لكن لا يوجد دليل على أنَّه تعرَّض للتَّعذيب بالفعل، أو على أنَّ متَّهِميه خطَّطوا بالفعل لتعذيبه… في ضوء الأدلَّة المُتاحة، فإنَّ الموقف الأكثر قابليَّة للدِّفاع هو أنَّ جاليليو خضعَ للاستجواب مع التَّهديد بالتَّعذيب لكنَّه لم يتعرَّض للتَّعذيب الفعلي. وعلى الرَّغم من أنَّه ظلَّ قيد الإقامة الجبريَّة أثناء المحاكمة عام 1633 وعلى مدى السَّنوات التِّسع التَّالية من حياته، إلَّا أنَّه لم يدخل السِّجن أبداً. ومع ذلك، يجب أن نضع في اعتبارنا أنَّه لمدَّة 150 عاماً بعد المحاكمة، أشارت الأدلَّة المتاحة للجمهور إلى أنَّ جاليليو قد سُجِن، ولمدَّة 250 عاماً أشارت الأدلَّة إلى أنَّه تعرَّض للتَّعذيب. وبالتَّالي فإنَّ أساطير تعذيب جاليليو وسَجنه هي أساطير فعلاً. هي أفكار خاطئة في الواقع ولكنَّها بدَت ذات يوم صحيحة، وما زالت مقبولة على أنَّها صحيحة من قِبَل الأشخاص ذوي التَّعليم الضَّعيف والعلماء المُهمِلين.”⁶
أوَّل مرَّة مثَلَ جاليليو أمام المحكمة سنة 1615 لم يُعذَّب أو يُضرَب ولم يتعرَّض له أحد على عكس الشَّائعات، ولا حتَّى في مُثوله الثَّاني سنة 1633
لم يكن للكنيسة نظرة كتابيَّة حول مركزيَّة الأرض بل كان هناك اجتهادات تفسيريَّة، والبعض منها يوافق جاليليو الذي اقتبسَ من أوغسطينوس في محاكمته ليدافع عن نظريَّته. كل ما في الأمر أنَّ راهب دومينيكاني اشتكى على جاليليو لأنَّ هذا الأخير وبحسب رأي الرَّاهب الشَّخصي (يُعارِض الكتاب المقدَّس)، لكن شكواه وقعت على آذان صمَّاء ولم يتعرَّض أحد لجاليليو بعد مُثوله أمام المحكمة بل عاد إلى حياته الطَّبيعيَّة بعد أوَّل مُحاكمة، مع العِلم أنَّه لم يُدعَ لكي يُحاكَم في روما بل أتى هو بنفسه لشعوره بضرورة الدِّفاع عن نفسه ونظريَّته.
المحاكمة الثانية لجاليليو
بعد ثماني سنوات من مُحاكمته الأولى ومع قدوم بابا جديد هو أوربان الثَّامن، أرادَ جاليليو أن يُقنِع البابا بنظرته وخصوصاً أنَّ هذا الأخير كان قد أبدى اهتماماً بكتابات جاليليو السَّابقة، لكن البابا لم يقتنِع ممَّا دفع جاليليو إلى طباعة كتاب عن نفس الموضوع يتهكَّم فيه من شخصيَّة خياليَّة رافضة للعِلم (قصدَ بها أحد مُعاصريه). الكتاب كان عبارة عن حوار سُقراطي صوَّر فيه جاليليو شخصيَّة غير مهتمَّة بالعِلم، وقد فُسِّرت تلك الشَّخصيَّة بأنَّها (البابا) نفسه. وهنا استُدعِيَ جاليليو للمُثول أمام المحاكمة مجدَّداً، وكان قد تقدَّم في السِّن، وكانت التُّهمة الموجَّهة له هي التَّسخيف من النَّظرة التَّقليديَّة، لم يُتَّهم بالهرطقة، والدَّليل الوحيد لدينا عن نتيجة المُحاكمة أنَّ جاليليو حُكِم عليه بالسَّجن في بيته أي حُجِر عليه دون تعذيب ودون أن يُعدَم. وقد اعترفَ البابا جون بول الثَّاني بخطأ الكنيسة الكاثوليكيَّة في التَّعامل مع جاليليو.
“مع استثناء محتمَل لمدَّة ثلاثة أيَّام (21-24 يونيو 1633)، لم يتمّ احتجاز جاليليو في السِّجن أبداً، سواء أثناء المحاكمة (كما كانت العادة العالميَّة) أو بعد ذلك (كما نَصَّ الحُكم). وحتَّى خلال تلك الأيَّام الثَّلاثة، من المحتمَل أنَّه كان يُقيم في شقَّة المدَّعي العام، وليس في زنزانة. إنَّ تفسير هذه المعاملة الحميدة غير المسبوقة ليس واضحاً تماماً، ولكنَّه يتضمَّن العوامل التَّالية: حماية عائلة ميديتشي الحاكمة، ومكانة جاليليو المشهورة، وكون البابا أوربان معجباً به سابقاً… ونظراً لشدَّة التَّعذيب بالحبل، يمكننا أن نكون على يقينٍ تامّ من أنَّ جاليليو لم يُعذَّب بهذه الطَّريقة. ونظراً لسنِّه المتقدِّم الذي يبلغ تسعة وستِّين عاماً وضعفه، كان من الممكن أن يتعرَّض لإصابة دائمة في ذراعيه وكتفيه، لكن لا يوجد دليل على ذلك. علاوةً على ذلك، لو كان قد تعرَّض للتَّعذيب، لكان قد حدث ذلك في 21 يونيو، ممَّا جعله غير قادر على حضور النُّطق بالحُكم وتلاوة الإنكار في الثَّاني والعشرين.”⁷
الخلاصة هي أنَّ الأساطير يمكن أن تكون مقبولة إذا ما تناقلَتها النَّاس. وأُسطورة جاليليو يجب أن تُفهَم على حقيقتها، فهو لم يُقتل ولم يُعذَّب، كما أنَّه لم يتوقَّف عن تعليمه إلَّا في آخر سنوات حياته. ومُعارضة الدِّين للعِلم هي أيضاً أُسطورة يحبُّها من يريد أن يضع المسيحيَّة في مواجهة العِلم الحديث.
الكاتب: الأخ فرح
Minister & Theologian
- Galileo Goes to Jail and Other Myths about Science and Religion. Numbers, Ronald L.
- Ibid
- The Sun in the Church: Cathedrals as Solar Observatories. J. L. Heilbron.
- Galileo Goes to Jail and Other Myths about Science and Religion. Numbers, Ronald L.
- Ibid
- Ibid
- Ibid
مقالات مُشابِهة
مصادر خارجية تؤكد على أحداث ذكرها العهد الجديد
هل بإمكاننا أن نعرف من كتب الأناجيل؟
متى كتبت الأناجيل؟