الطاعة لله والابتعاد عن الخطايا يجب أن تكون نابعة من قلب مُحِب يريد أن يعبد الله بشكل طَوعي، وليس عبر قائمة من المُحرَّمات التي يجب أن نجتنبها وأُخرى من المُحَلَّلات التي علينا أن نُطبِّقها، لأن هذه الأخيرة يجب أن تكون نتيجة طبيعية للعلاقة الصحيحة مع الله وليست سبباً لتصحيح العلاقة معه.
بالرغم من أنّ السؤال عن الحلال والحرام نابع من رغبةٍ صادقةٍ فِي عمل كل ما هو مُرضى لله، وهو تساؤل يدل على رغبة عمليّة في عيّش كُل ما هو صحيح، إلا أنّ هذا السؤال مِن المنظور المسيحيّ لا يُعتبر سؤال صحيح. فالديانة من المنظور البشريّ هي عبارة عن لوائح وأوامر مِن الحلال والحرام. أما فِي الإيمان المسيحيّ فهي ليست كذلك. فالديانة البشريّة هي مُجرد مظهر خارجيّ أما الإيمان الحقيقيّ بالله فهو خيّر نابع من مصدر مُحب.
اللوائح لا تضمن تحقيق النتيجة
إنّ وضع لوائح بالحلال والحرام هو شئ يسير، لكن هذه اللوائح لا تُعطي القدرة والقوة للشخص على تنفيذها. فكُل إنسان قد يكون اختبر بصورة أو بأخرى لحظات كان يعرف فيها أن ما يفعله غير صحيح، ورغم هذا لم يتوقف عن فعله. إن وضع قائمة بالحلال والحرام لا يضمن لك عيش حياة صالحة تُرضِي الله، وتليق بك كابن لله. لذلك يشرح الوحيّ المُقدس مُعاناة بُولس في ذلك قائلًا:
فَإِنَّ مَا أَفْعَلُهُ لَا أَمْلِكُ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهِ: إِذْ لَا أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، وَإِنَّ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَعْمَلُ
الرسالة إلى أهل رومية 7: 15
اللوائح تعطي نتيجة عكسيّة
الأمر الثاني هو أنه حتى إذا حاول الأشخاص وضع لوائح بالحلال والحرام وحاولوا تنفيذها، ستكون النتيجة عكس تمامًا ما يجب أن يتم. فستكون النتيجة أن الشخص سيصبح مُتصلبًا ومُتكبرًا وراضيًّا عن نفسه. وأحيانًا أخرى قد يُدين الأخرين لعجزهم عن تحقيق الحلال والحرام. وقد ظهر ذلك بوضوح في حديث المسيح مع رجال الدين الذين ينادون بالحلال والحرام حيث قال:
فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «أَنْتُمُ الْفَرِّيسِيِّينَ تُنَظِّفُونَ الْكَأْسَ وَالصَّحْفَةَ مِنَ الْخَارِجِ، وَلكِنَّكُمْ مِنَ الدَّاخِلِ مَمْلُوؤُونَ نَهْباً وَخُبْثاً. أَيُّهَا الأَغْبِيَاءُ، أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ قَدْ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضاً؟ أَحْرَى بِكُمْ أَنْ تَتَصَدَّقُوا بِمَا عِنْدَكُمْ، فَيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ طَاهِراً لَكُمْ. وَلكِنِ الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ فَإِنَّكُمْ تَدْفَعُونَ عُشْرَ النَّعْنَعِ وَالسَّذَّابِ وَالْبُقُولِ الأُخْرَى، وَتَتَجَاوَزُونَ عَنِ الْعَدْلِ وَمَحَبَّةِ اللهِ: كَانَ يَجِبُ أَنْ تَعْمَلُوا هَذَا وَلا تُهْمِلُوا ذَاكَ! الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ، فَإِنَّكُمْ تُحِبُّونَ تَصَدُّرَ الْمَقَاعِدِ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ وَتَلَقِّي التَّحِيَّاتِ فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّةِ! الْوَيْلُ لَكُمْ، فَإِنَّكُمْ تُشْبِهُونَ الْقُبُورَ الْمَخْفِيَّةَ، يَمْشِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ!»
إنجيل لوقا 11: 39- 44
العيّش تحت وطأة الحلال والحرام
ثالثًا الله لم يرد عبيد. الله يريد أبناء. الله لم يريدنا عبيد للخطية ولا عبيد للوائح وقوانين. الله دعى البشر ليكونوا أبناء، يعرفون ما يجب أن يفعلوا عن طريق علاقتهم بالله، وليس عبيد خائفين من الله لذلك مكتوب
أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْخَطِيئَةَ يَكُونُ عَبْداً لَهَا. وَالْعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ دَائِماً؛ أَمَّا الاِبْنُ فَيَعِيشُ فِيهِ أَبَداً. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ تَصِيرُوا بِالْحَقِّ أَحْرَاراً.
إنجيل يوحنا 8: 34- 36
لَا أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً بَعْدُ.
إنجيل يوحنا 15: 15
فإرادة الله لك ليس أن يضع لك قائمة بالحلال والحرام، لكن يعطيك قاعدة عامة على أساسها تستطيع أن تُحدد أنت بسهولة في كل موقف من مواقف حياتك ما هو الحلال والحرام من أصغر أمور حياتنا إلى أكبرها وأهمها.
الله يريد أبناء
صلابة الحلال والحرام مع مرونة مواقف الحياة
رابعًا إن وضع لائحة بالحلال والحرام لا يحقق الغرض. فمثلًا كلنا نعرف أن إعطاء صدقة لشخص فقير هو شيء جيد. فهذا حلال. لكن بالرغم من أن إعطاء الصدقة هو شيء جيد إلا أنه أحيانًا يكون خطأ. فمثلًا إذا كانت الصدقة تجعل الشخص أكثر تواكلًا وكسلًا وتجعله رافضًا للعمل، فالصدقة في هذه الحالة أضرت بالشخص، وأصبحت سبب تدمير لحياته أكثر من كونها شيء جيد. لذلك مثلًا كتب الوحي المقدس في هذا الأمر قائلًا:
كُلُّ شَيْءٍ حَلالٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ. كَلُّ شَيْءٍ حَلالٌ، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَبْنِي. فَلا يَسْعَ أَحَدٌ إِلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، بَلْ إِلَى مَصْلَحَةِ غَيْرِهِ!
كورنثوس الأولى 10: 23- 24
القانون العام
إذًا كيف يمكنني أن أعرف ماهو صح وما هو خطأ؟
إن العلاقة مع الله هي كلمة السر في معرفتك لماهو صالح وما هو ضار، لكن بصورة عامة يوجد قانون عام وهو”محبة الله ومحبة الإنسان الآخر” حيث مكتوب
فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أُولَى الْوَصَايَا جَمِيعاً هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَأَحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ وَبِكُلِّ فِكْرِكَ وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَهُنَاكَ ثَانِيَةٌ مِثْلُهَا، وَهِيَ أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. فَمَا مِنْ وَصِيَّةٍ أُخْرَى أَعْظَمُ مِنْ هَاتَيْنِ»
إنجيل مرقس 12: 29- 31
فهذه الآية هي التي تحكم كل فكر، وكل عمل وكل قول. ففي كل شئ إسأل نفسك هل ما أفعله هو ناتج من حب لله أو حب للإنسان الآخر أم لا. فالخطية ناتجة عن الأنانية والكبرياء، وكل ما ينتج عنها هو شر للإنسان الآخر، أما محبة الله ومحبة الإنسان الآخر فكل ما ينتج عنها هو صلاح وخير.
العلاقة مع الله
لكي تعرف أن تميّز ما هو صح وما هو خطأ تحتاج أن تكون في علاقة مع الله الواحد الكامل، تحتاج أن تكون في علاقة مع الكائن الأخلاقي الأعظم، مع منبع الأخلاق. وعندما تكون في علاقة حقيقيّة معه، ستتغيّر وتستطيع أن تميّز ما هو صح و ما هو خطأ، فيُشكلك، ويُجملك، ويُغيّرك، فتصبح كائن ناضج تتجمل حياتك بتعاليم المسيح وسلوكيات أبناء الله. وهذا هو إحدى أهداف وجودنا على الأرض في هذه الحياة. فكل يوم جديد هو فرصة جديدة لنتغيّر وننضج إلى نصل إلى تلك الصورة عينها، صورة مجد أبناء الله.
إن كلمة السر لمعرفة كل ماهو مُرضي لله هو العلاقة مع الله. ففي العلاقة مع الله تبدأ رحلة ممتعة مِن التشكيل والتجميل، فيها تختبر نوعيّة حياة مُختلفة، يجذبك فيها الله لتصبح على صورة الإنسانيّة التي أرادها للانسان. فتحقق هدف وجودك، وتعرف معنى كيانك، فلا تضيّع يومًا آخر، وابدأ الآن في طريق التغيير و العلاقة مع الله.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
هل المسيحيّة تُبيح الزنا؟
هل الخمر حلال في المسيحيّة؟
آيات عن الخمر