سِفر القُضاة هو سابِع سِفر في الكتاب المقدَّس، وفيه تفاصيل مُهمَّة تُخبرنا عن حياة شعب الرَّب مع بداية استقرارهم في أرض كنعان. في هذا المقال سنوضح أهميَّة هذا السِّفر وأبرز مواضيعه.
بعد وفاة يشوع بن نون الذي خلَف موسى في قيادة الشَّعب لامتلاك أرض كنعان، وإلى حين تقلُّد شاول بن قَيس المُلك على إسرائيل، تمتدّ حقبة تاريخيَّة واسعة يُسمّيها الكتاب المقدَّس بزَمن القُضاة، حيث يُخبرنا السِّفر عن اِثني عشر قاضياً توَلّوا مهمَّة القِيادة في إسرائيل، ويصبح عددهم أربعة عشر إذا أضَفنا صموئيل النَّبي وعالي الكاهِن المَذكورَين في سِفر صموئيل الأوَّل، حيث يُعتَبران من القُضاة أيضاً لأنَّهما خدَما قبل توَلّي أوَّل مَلِك مهامه على بني إسرائيل.
يذكر لنا الكتاب المقدَّس التَّفاصيل التَّاريخيَّة لتلك الحقبة في سِفر القُضاة الذي يُفسَّر عنوانه العِبري “المُنقِذون” حيث يوضح لنا دور هؤلاء القُضاة وسط شعبهم. بحسب التَّقليد اليهودي فإنَّ صموئيل النَّبي هو كاتب هذا السِّفر¹ وتتمحوَر الفكرة الرَّئيسيَّة لهذا الكِتاب حول استمرار الشَّعب في نقضهِم للعهد الذي عاهدوا الله به أيَّام موسى، عبر عبادتهم لآلِهة وثنيَّة وارتكابهم المعاصي، حيث يختم الكاتب السِّفر كالتَّالي:
“فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ.” (سِفر القُضاة 25:21).
دور القضاة
كان من المُفترض أن يملك الله وسط شعبه وتكون شريعته أساس القضاء، لكن الشَّعب بعد وفاة يشوع حادوا عن تتميم وصايا الله، لذلك كان يستخدم الأُمَم المُحيطة كتأديب لبني إسرائيل لكي يُذكِّرهم بحاجتهم لهُ دائماً. وقد تمحوَر دور القُضاة على:
- إنقاذ الشَّعب من الأعداء بعد تَوبتهم إلى الرَّب حين كانوا يُدركون أنَّهُ الوحيد الذي يستطيع إنقاذهم.
- نَهيهم عن عبادة الآلِهة المُزيَّفة وإرجاعهم إلى عبادة الله بحسب شريعة موسى.
يصف الدكتور طوني معلوف دور القُضاة كالتَّالي: “كان القُضاة قادة للأُمَّة بكلّ ما للكلمة من معنى. فقد كانت مهمَّتهم عسكريَّة بالدَّرجة الأولى تقضي بتَخليص الأُمَّة من حُكم ظالِميها، لكنَّ أدوارهم امتدَّت إلى المُستوى الرُّوحي والاجتماعي…”.²
دروس من السفر
كل حدث يُعلِّمنا درس معين وهو سِفر غني ومادَّة دسمة على مَنابر الوعَّاظ، لكن بشكل خاص يُذكِّرنا هذا السِّفر أوِّلاً كيف أنَّ العصيان كان سبب لخسارة الشَّعب لبرَكات الله، وثانياً أنَّ الخَلاص المُقدَّم من الله عبر القُضاة هو ليس بفَضلهم، فبعض هؤلاء القُضاة كانوا بحاجة أحياناً لمن يقودهُم روحيّاً والبعض منهم كان غير مؤهَّلاً للقيادة، فمنهم الخاطئ (القُضاة 1:16) ومنهم الضَّغيف (القُضاة 15:6)، لكنَّ الله بحسب حكمتهِ، استخدمَ آنِية ضعيفة لإظهار مجدهِ، لكي يُظهر أنَّهُ هو المُخلِّص الحقيقي للشَّعب.
الخَلاص المُقدَّم من الله عبر القُضاة هو ليس بفَضلهم
يُعلِّق بيتر جينتري على هذا الموضوع بالقول: “يَقترِح إذاً الوَحي في سِفر القُضاة، أنَّهُ وفي أيّ عصرٍ كان، فإنَّ بني إسرائيل يجب ألَّا يَدينوا بوجودهم لا لتَنظيماتهم السِّياسيَّة ولا لقوَّتهم العسكريَّة أو لمُلوكهِم. بل يجب أن يَدينوا بوجودهم لوَفاء الله الذي عاهدَ شعبهُ بعدَم التَّخلِّي عنهُم بشكل نِهائي، لأنّهُ لن يتراجَع عن تتميم وعده الذي ثبَّتهُ بقسَم”.³
يُظهر لنا سِفر القُضاة كيف أنَّ الله لم يترُك شعبهُ على الرّغم من العِصيان المُستمرّ، بل استمرَّ الله بإظهار صِدق وعوده التي وعدَهم بها، وقد استمرَّت تجلِّيات الرَّحمة الإلهيَّة والإحسان العظيم في كل مَراحل التَّاريخ إلى حين وصول المسيح، الذي هو ذروَة وعود الله والذي سيُتمِّم ما عَجز الشَّعب عن القِيام بهِ سواء بمَلِك أو بغير مَلِك، أي أن يكون برَكة للأُمَم وتتبارَك به جميع قبائل الأرض.
المسيح جلبَ الخَلاص النِّهائي المَوعود، الخَلاص الرُّوحي. فكلّ إنقاذ وخَلاص جسَدي من عدوّ أرضي كان يُشير بشكل رَمزي للخَلاص الحقيقي الذي وعدَ به الله لشَعبه، والله يستمرّ اليوم في الحِفاظ على عهدهِ عبر عملهِ وسط المؤمنين في الكنيسة.
- .كتاب تفسير الكتاب المقدس – جون ماك ارثر – نسخة الكتاب المقدس فاندايك. البستاني. تحميل pdf (christianlib.com) مقدمة سفر القضاة.
- الدكتور طوني معلوف، مقدمة العهد القديم.
- Kingdom through Covenant: A Biblical-Theological Understanding of the Covenants (Second Edition). Gentry, Peter J., Wellum, Stephen J.
مقالات مُشابِهة
ما هو كتاب المسيحيين؟
أبيمالك بن جدعون
جدعون