الإيمان يُلخِّص الحياة المسيحيَّة، فالمؤمن يتبرَّر أمام الله بالإيمان، وأيضاً يَسلُك بهِ في الحَياة، سنوضح في هذا المقال ما هو مَفهوم الإيمان المسيحي الحَقيقي بحسَب الكتاب المُقدَّس.
الإيمان الحقيقي
عِندَما يتَحَدَّث الكِتاب المُقدَّس عن الإيمان فإنَّ القَصد لا يَكون أن نؤمِن بوُجود الله، لأنَّ الوَحي لا يَعتَبِر أنَّ الإيمان بوُجود الله يُعَدّ فَضيلة، فالكِتاب المُقدَّس يُسَلِّم جَدَلاً بِهذا الأمر، والمَقصود بالإيمان أن نؤمِن بوُعود الله الصَّادِقة والأمينة وبصَلاح مَشيئَتِهِ لِحَياتِنا دائِماً.
لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ “فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَحُسِبَ لَهُ ذَلِكَ بِرّاً”
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 3:4
يَقتَبِس بولُس هذهِ الكَلِمات من سِفر التَّكوين عِندَما يَعِد الله النَّبي اِبراهيم بأن يُعطيهِ نَسلاً رُغمَ شَيخوخَتِهِ. فإيمان اِبراهيم هُنا ليسَ بِوُجود الله بَل بِوَعد الله لَهُ بالنَّسل، لأنَّ اِبراهيم أصلاً كانَ يؤمِن بأنَّ الله مَوجود، فقَد تَغَرَّبَ في السَّابِق عن عَشيرَتِهِ بِناءً على أَمر الله. وهذا البِرّ الذي يتَحَدَّث عَنهُ بولُس يَعني الصَّلاح الذي يُحسَب لنا أمامَ العَدالة الإلهِيَّة، أي أنَّ الله يَعتَبِرنا صالِحين بِحَسَب هذا الإيمان، وحُجَّة بولُس في ذلك أنَّ أعمال اِبراهيم الصَّالِحة المُتَمَثِّلة بِطاعَتِهِ لله أتَت نَتيجَةً لإيمانِه، وبِذلكَ حُسِبَ لَهُ الصَّلاح قبلَ أعمال الطَّاعة، وهكَذا فإنَّنا نَتَبَرَّر أمامَ الله بإيمانِنا وليسَ بأعمالِنا.
فإنَّنا نَتَبَرَّر أمامَ الله بإيمانِنا وليسَ بأعمالِنا
الإيمان هو هِبة من الله، لِكَي لا يَفتَخِر كُل ذي جَسَد أمامَهُ لأنَّ الأعمال عاجِزة على أن تُخَلِّص، أمَّا نِعمَة الله فهي التي تُخَلِّص النُّفوس وتَقودها للحَياة الأبَدِيَّة. فَعِندَما نؤمِن بالرَّب يَسوع ونَضَع ثِقَتنا بِهِ ونُصَدِّق وُعودَهُ، يُنقَل لنا بِرّ وصَلاح المَسيح الذي لم يَعرِف خَطيئة، وتُنقَل لَهُ كُل ذُنوبنا وخَطايانا التي حَمَلَها بِجَسَدِهِ على خَشَبَة الصَّليب، وهي الطَّريقة الوَحيدة التي نَستَطيع أن نَخلُص عَبرَها.
فَإِنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْكُمْ. إِنَّهُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ، لاَ عَلَى أَسَاسِ الأَعْمَالِ، حَتَّى لاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل أفَسُس 8:2
الإيمان بِعَمَل الرَّب يَسوع الذي صَنَعَهُ من أجلِنا هو إيمان بِصِدق الله وبِتَتميم وُعودِهِ، لأنَّ الخَلاص والفِداء المُقَدَّم من المَسيح هو أَمر كانَ قَد سَبَق ووَعَدَ الله بِهِ شَعبَهُ. وهو إيمان بِقُدرَة الله في الحِفاظ على كَلِمَتِهِ المُقَدَّسة من عَبَث البَشَر في تَحرِيفِها. فكَيفَ يُمكِن لله القَدير أن يَسمَح للبَشَر بتَخريب إعلانِهِ عن نَفسِهِ؟ هذا الإعلان العَظيم الأساسي لِمَعرِفَة الله ومَشيئَتِهِ وعُهودِهِ عبرَ كُل العُصور.
الإيمان المزيف
يتَحَدَّث أيضاً الكِتاب المُقدَّس عن إيمان مُزَيَّف، يَبدو للوَهلة الأولى أنَّهُ حَقيقي لكن مع الوَقت تَنكَشِف حَقيقَته. وفي الإصحاح الرَّابِع من إنجيل مَرقُس نَرى كيفَ أنَّ الرَّب يَسوع يُشَبِّه هذا الإيمان بالبِذار التي وَقَعَت على الأماكِن المُحجِرة التي لا تَصلُح للزِّراعة في مَثَل الزَّارِع، فَفي البِداية تَنمو البُذور ثُمَّ تَجِفّ بعدَ فَترة قَصيرة لأن ليسَ لها عُمق أرض، وهي تُشير إلى بَعض النَّاس الذينَ يُظهِرونَ إيماناً يَبدو في البِداية حَقيقِيّاً لكِنَّهُ سرعانَ ما يَتَلاشى عِندَ التَّعَرُّض لأيّ ضيق أو اضطِّهاد. وفي نَفس المَثَل نَرى بَعض البُذور التي زُرِعَت بينَ الشَّوك، وهي تُشير لِشَهَوات وغُرور هذا العالَم التي تَخنُق هذهِ النَّبتة المَغروسة.
لذلك يُخبِرنا الرَّسول بطرُس أنَّ الإيمان يُمتَحَن بالنَّار كَما الذَّهَب، فإن كانَ حَقيقِيّاً تُنَقَّى مِنهُ الشَّوائِب، وإن كانَ مُزَيَّفاً يَحتَرِق.
إِلاَّ أَنَّ غَايَةَ هذِهِ التَّجَارِبِ هِيَ اخْتِبَارُ حَقِيقَةِ إِيمَانِكُمْ. فَكَمَا تَخْتَبِرُ النَّارُ الذَّهَبَ وَتُنَقِّيهِ، تَخْتَبِرُ التَّجَارِبُ حَقِيقَةَ إِيمَانِكُمْ، وَهُوَ أَثْمَنُ جِدّاً مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي. وَهكَذَا، يَكُونُ إِيمَانُكُمْ مَدْعَاةَ مَدْحٍ وَإِكْرَامٍ وَتَمْجِيدٍ لَكُمْ، عِنْدَمَا يَعُودُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ ظَاهِراً بِمَجْدِهِ.
رِسالة بطرُس الأولى 7:1
إذا ما هو الإيمان؟
الإيمان هو الثِّقة بأنَّ ما نَرجوهُ من الله سَوفَ يَتَحَقَّق لأنَّهُ مَبني على الرَّجاء والأمَل، وأن نَكون على يَقين بأنَّ الله الذي لا نَراه هو قَريبٌ مِنَّا ويَتَعامَل مَعَنا بِشَكل دائِم، فَنَراهُ بِعُيون الإيمان ونَسمَح لَهُ أن يُنَقِّي إيمانَنا كَما يُنَقِّي الكَرَّام الشَّجَرة لِكَي تَأتي بِثَمَر أكثَر، وثَمَر الإيمان هو كُل عَمَل صالِح يَتَمَجَّد بِهِ الله من خِلالِنا.
أَمَّا الإِيمَانُ، فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا نَرْجُوهُ، وَالاقْتِنَاعُ بِأَنَّ مَا لاَ نَرَاهُ مَوْجُودٌ حَقّاً.
رِسالة العِبرانِيِّين 1:11
مقالات مُشابِهة
لمسة إيمان
الثقة بالله
ألقِ على الرب همك