واجَهت الكنيسة الأولى الكثير من الهَجمات على طبيعَة الله، وقامَت بمُعالجة هذه الأخطاء من خلال تفسير أنَّ الله ثالوث وله ثلاث أقانيم. سوف ندرُس معنى وكيفيَّة استخدام هذه الكلمة.
عبر التَّاريخ المسيحي، تمَّ الاِعتِراف بطبيعَة الله كما هي مُعلَنة في الكِتاب المُقدَّس كثالوث. فالكِتاب المُقدَّس يُشَدِّد على أنَّ الله واحِد، وفي الوَقت ذاتهِ يُبيِّن ألوهيَّة ثلاثة أشخاص وهُم الآب والاِبن (يسوع) والرُّوح القُدُس. فعرَّفَت الكنيسة طبيعَة الله باستِخدام كلمة أُقنوم، التي أصبَحت ضروريَّة في تَعريف الثَّالوث.
عقيدة الثالوث
عقيدَة أُلوهيَّة المسيح هي عقيدة أساسيَّة في الكِتاب المُقدَّس والإيمان المسيحي. فالمسيح بنفسهِ صرَّح وقال:
“لِذلِكَ قُلْتُ لَكُمْ: سَتَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِأَنِّي أَنَا هُوَ، تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ.” (إنجيل يوحَنَّا 24:8)
كما أنَّ عقيدَة أُلوهيَّة المسيح واضِحة جدّاً في الكِتاب المُقدَّس ولا سِيَّما في يوحَنَّا 1:1-14.
هذه العقيدة أساسيَّة لعقيدَة طبيعَة الله، أي عقيدَة الثَّالوث. فالتَّعريف الكلاسيكي لله هو “جَوهَر (ousia) واحِد، بثلاثة أقانيم (hypostateis)”1
الأقنوم
أمَّا الأُقنوم فيَتمّ تَعريفه على أنَّهُ شَخص. وفي عِلم اللَّاهوت، الأُقنوم هو أحَد الأشخاص الثَّلاث من جَوهَر الله الغير مُقسَّم. فكُلّ فَرد من أفراد الثَّالوث هو أُقنوم. الله الآب هو أُقنوم، الله الاِبن هو أُقنوم، والله الرُّوح القُدُس هو أُقنوم.
استخدام كلمة أقنوم
كلمة “أُقنوم” بذاتها ليسَت كلمة عربيَّة، ولكنَّها اشتُقَّت من اللُّغة السِّريانيَّة بحيث الكلمة اليونانيَّة لأُقنوم “hypostateis” تُلفَظ “قْنوما” في اللُّغة السِّريانيَّة. وبالتَّالي أضافَت اللُّغة العربيَّة حَرف الألِف قبلها لتُصبِح “أُقنوماً”.2
الفرق بين استعمال كلمة “شخص” و “أقنوم”
إنَّ كلمة “أشخاص” تُبيِّن انفِصال الشَّخص عن الآخَر كجَوهَر مُستَقِلّ، أمَّا كلمة “أقانيم” فتوضِّح جَوهَر مُشتَرَك للكُلّ مع الحِفاظ على ذاتيَّة كُلّ شَخص، ووجود الواحِد مُعتَمِد تَبادُليّاً على وجود الآخَرين. وقد وَضَّح ذلك “عوض سمعان”:
“وكلمة أقانيم تختلف كُلّ الاِختِلاف عن كلمة “أشخاص” المُستَعمَلة في اللُّغة العربيَّة والكلمات المُقابِلة لها في اللُّغات الأُخرى، من ناحيَتين رئيسيَّتين. (أ) فالمُراد بالأشخاص، هُم الذَّوات المُنفَصِل أحَدهُم عن الآخَر. أمَّا المُراد ب” الأقانيم” فذات الله الذي لا شَريك لهُ ولا نَظير. (ب) إنَّ الأشخاص وإن كانوا يشتَركون في الطَّبيعة الواحِدة، إلَّا أنَّهُ ليسَ لأحَدهِم ذات خَصائص أو صِفات أو مُمَيِّزات الآخَر (ذات خَصائص الآخَر أو صِفاته أو مُمَيِّزاته). أمَّا الأقانيم فمع تَمَيُّز أحَدهم عن الآخَر في الأُقنوميَّة، هُم واحِد في الجَوهَر بكُلِّ خَصائصهِ وصِفاته ومُمَيِّزاته؛ لأنَّهُم ذات الله الواحِد.”3
الأخطاء حول مفهوم الأقنوم
1- الاعتِقاد بوجود ثلاثة آلِهة: كما ذكَرنا، إنَّ الكِتاب المُقدَّس يُصِرّ على وَحدانِيَّة الله، ويَرفُض فِكرَة تَعدُّد الآلِهة.
“اسْمَعُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.”(سِفر التَّثنِية 4:6)
فالأقانيم الثَّلاث هُم ضِمن الإله الواحِد والوَحيد.
2- الاعتِقاد أنَّ الثَّالوث هو شَخص واحِد بثلاثة مَظاهِر: أي أنَّ الآب هو ذاته الاِبن، كما أنَّ الاِبن هو ذاته الآب. أو أنَّ الله كانَ الآب وفي التَّجَسُّد أصبَحَ الاِبن وعند صُعوده إلى السَّماء أصبَحَ الرُّوح القُدُس. عُرِفَت هذه الهَرطَقة (أي التَّعليم الخاطِئ) بالسَّابيليَّة استِناداً لسابليوس الذي نادى بهذا التَّعليم.4
حارَبَت الكنيسة هذا التَّعليم وغيرها من الهَرطَقات، وقد صاغَت في النِّهاية اعتِراف إيمان يُحَدِّد التَّعليم الصَّحيح حَول الثَّالوث في مَجمَع نيقية.
3- 5الاعتِقاد أنَّ هُناك تَراتُبِيَّة في الثَّالوث: بعَكس الخَطأ المُعتَقَد من البَعض، لا يوجَد تَراتُبِيَّة في الثَّالوث بل تَرتيب.
فعَلاقَة التَّرتيب هذه تُظهِر التَّواضُع في الله وهذا الأمر تَبيَّنَ لنا عندما تَواضَع الأُقنوم الثَّاني (الاِبن) وأخَذَ صورَة إنسان لكي يَفتَدينا.
4- الاعتِقاد بوجود استِقلالِيَّة في الثَّالوث: أي أنَّ كُلّ من الأقانيم الثَّلاثة مُستَقِلّ عن الآخَر. فالآب مُستَقِلّ عن الاِبن، والاِبن والآب مُستَقِلّانِ عن الرُّوح. أمَّا الكِتاب المُقدَّس فيوضِّح الاِنسِجام ضِمن الثَّالوث كما يوضِّح أنَّ الاِبن في الآب كما الآب في الاِبن وأنَّ الرُّوح في الأُقنومين الآخَرين. تَرابُط الأقانيم الثَّلاثة مُتَمَحوِر حَول كَونهم جَوهَر واحِد.
فالأقانيم الثَّلاث هُم ضِمن الإله الواحِد والوَحيد
الخاتمة
عقيدَة الثَّالوث هي غايَة في الأهميَّة في الإيمان المسيحي لأنَّها تُعبِّرعن طبيعَة الله. فالله هو جَوهَر واحِد وقد كشَف نَفسه لنا في الكِتاب المُقدَّس بثلاثة أقانيم. وهذا الثَّالوث اشتَرَكَ بعَمَل الفِداء بحيث الأُقنوم الأوَّل (الآب) خَطَّطَ لفِدائنا، بينما الأُقنوم الثَّاني (الاِبن) نفَّذَ هذا الفِداء بتَجَسُّدهِ ومَوته وقِيامَته، كما أنَّ الأُقنوم الثَّالث (الرُّوح القُدُس) يُطَبِّق هذا الفِداء في حَياتنا. فالله الثَّالوث القُدُّوس يأمُرك اليوم أيُّها القارِئ أن تَتوب عن خَطاياك وتؤمن بالفِداء الذي حَضَّرهُ لك.
الكاتب: الأخ كمال
Minister & Theologian
- The Concise Evangelical Dictionary of Theology. Editor Walter A. Elwell, p. 236.
- .الله معنا ومن دوننا. عماد شحادة
- .الله، ذاته ونوع وحدانيّته. عوض سمعان
- .الله معنا ومن دوننا. عماد شحادة.
- Ibid.
مقالات مُشابِهة
من هو يسوع؟
لماذا جاء يسوع إلى العالم؟
الأساسيات في المسيحية