الموت حقيقة قبيحة جدّاً، ولكن عند الله حلّاً لهذه المشكلة. سيتناول هذا المقال سبب الموت، كما أنَّه سيُلقي الضَّوء على كيفيَّة الحزن على الميت والحلّ المسيحي للموت.
تكثُر الكلمات الصَّعبة في اللُّغات البشريَّة، ولكن لا يوجد مُنافس لكلمة “موت“. فتصطحب تلك الكلمة العديد من المشاعر المؤلمة والسَّلبيَّة، كالخوف أو الغضب، ولكن أكثر شعور ينتُج عن هذه الظَّاهرة هو الحزن. وإن كنتَ قد فقدتَ أحد أحبَّائك، فأنتَ تعلم جيّداً كميَّة الحزن والألم التي نشعر بها جرَّاء فقدان الأحبَّاء. ولكن اِعلم أنَّك لستَ وحدك.
الموت
منذ القديم وإلى الآن، الموت معضلة لم يتمكَّن الإنسان من فكّ لغزها. فلماذا يموت أحبَّاؤنا؟ لماذا نخسر الذين نحبُّهم؟ والأهمّ من ذلك، لماذا سيأتي يوم ونموت فيه نحن أيضاً؟
هذه الأسئلة يجيب عنها الكتاب المقدَّس من خلال صفحاته معلِناً أنَّ هذا العالَم ساقط في لعنة الخطيَّة. فنحن نموت، وأحبَّاؤنا يموتون بسبب الخطيَّة والسُّقوط.
ولكن الله لا يريدنا أن نبقى في هذا العالَم بدون رجاء، وقد قدَّم حَلّاً للموت وهو من خلال موت يسوع المسيح على الصَّليب. فبموته غلبَ يسوع الموت وانتصر على الخطيَّة وأعطى كلّ الذينَ وثقوا به حياةً أبديَّة! فموت يسوع هو النَّوع الوحيد من الموت الذي بطبيعته يُعطي الرَّجاء.
فموت يسوع هو النَّوع الوحيد من الموت الذي بطبيعته يُعطي الرَّجاء
الحزن على الميت
ولكن بالرّغم من تأكُّدنا من أنَّ أحبَّاءنا المؤمنين بالمسيح هم في السَّماء، فوجع الفراق لا مفرَّ منه. ولكن ماذا يقول الكتاب المقدَّس عن الحزن على الميت؟
من المهمّ أوَّلاً إيضاح أنَّ لا عيبَ في الحزن! فالحزن هو شعور طبيعي نلتمِسه في حالات الألم الشَّديدة مثل فقدان الأحبَّاء. لا بل إنَّ الحزن على الميت أمرٌ جيِّد، يُظهر محبَّتنا للفقيد كما يساعدنا على إخراج الألم الدَّاخلي الذي لا يمكن للكلام أن يعبِّر عنه. فإنَّه من الجيِّد أن نُخرج مشاعرنا، ولكن يجب أن ننتبه لئلَّا نعرِّض صحَّتنا للخطر جرَّاء الاكتئاب الشَّديد! تقول الدُّكتورة جوان فريدريك: “لا يوجد شيء اسمه حزن غير صحِّي”.
فبعدما فقدَ أيُّوب في العهد القديم أولاده وبيته ومواشيه وكلّ ما كان له، يُخبرنا الوَحي الإلهي أنَّ أصدقاءه الثَّلاث أتوا وناحوا معه لمدَّة سبعة أيَّام ورَثوا لحزنهِ وبكوا معه دون أن يكلِّموه بأيّ كلمة! (أيّوب 11:2-13).
نرى أيضاً في حادثة مشهورة في العهد الجديد من الكتاب المقدَّس عن تصرُّف الرَّب يسوع نفسه في حالة الفقدان. فيسوع، بعدما عَلِم أنَّ صديقه لِعازر قد مات، أتى ونظر إلى قبره. ويخبرنا الكتاب أنَّه عبَّر عن حزنه لفقدان من هو عزيز عليه بشكل علَني: “عِنْدَئِذٍ بَكَى يَسُوعُ.” (إنجيل يوحنَّا 35:11).
تُظهر هذه الحادثة لنا مدى حنان ورأفة يسوع على البشر، كما أنَّها تبرهن أنَّ الحزن على الميت ليس خطأً ويمكننا أن نحزن في زمن الموت، فالرَّب يسوع هو مثالنا الأعلى.
حزن مع رجاء
ولكن يجب الإشارة إلى أمر مهمّ جدّاً وهو أنَّ الكتاب المقدَّس يشجِّع على الحزن في حالات الفقدان، ولكنَّه لا يدعو إلى الحزن دون رجاء!
يؤكِّد الرَّسول بولُس أنَّ الحزن أمر طبيعي، ولكن يوصي أهل تسالونيكي الحزانى في رسالته لهم قائلاً:
“عَلَى أَنَّنَا نُرِيدُ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَلَّا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَمْرُ الرَّاقِدِينَ، حَتَّى لَا يُصِيبَكُمُ الْحُزْنُ كَغَيْرِكُمْ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا رَجَاءَ لَهُمْ.” (رسالة بولُس الأولى إلى أهل تسالونيكي 13:4)
فبولُس لم يوبِّخهم على حزنهم، بل أراد لهم ألَّا يحزنوا كباقي النَّاس الذين لا رجاء لهم. فبالمسيح أُبطِلَ الموت، ولا سيادة وطغيان له بعد الآن على الذين يضعون ثقتهم بيسوع.
كما أنَّ الله في العديد من الأماكن الأُخرى، يوضح أنَّه لن يترك أولاده في أزمات الحزن والاكتئاب. فهو سيَمسح دموع الحزانى وسوف يضمِّد كلّ جروحهم من خلال الرَّجاء الموجود لنا في شخصه وصفاته!
“الرَّبُّ قَرِيبٌ مِنْ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، وَيُخَلِّصُ مُنْسَحِقِي الرُّوحِ.” (مزمور 18:34)
والله يعِد أنَّ هذه الفترة سوف تمرّ بفضل نعمته ورحمته.
“فَإِنَّ غَضَبَهُ يَدُومُ لِلَحْظَةٍ، أَمَّا رِضَاهُ فَمَدَى الْحَيَاةِ. يَبْقَى الْبُكَاءُ لِلَيْلَةٍ، أَمَّا فِي الصَّبَاحِ فَيَعُمُّ الابْتِهَاج.” (مزمور 5:30)
والمقصود هنا ليس أنَّ الحزن والبكاء يأتيان في وقت معيَّن من اليوم وأنَّ التَّرنُّم والابتهاج في وقت آخر! بينما المعنى المقصود هنا أنَّ هذه المحنة لن تطول وسيعود الابتهاج لحياة المؤمن بسبب فرحه بالرَّب. فلننتظِر توقيت الرَّب الحكيم في شفاء أحزاننا.
فبالمسيح أُبطِلَ الموت، ولا سيادة وطغيان له بعد الآن على الذين يضعون ثقتهم بيسوع
عدالة الله
ولكن ماذا أفعل إن كنتُ أعلم أنَّ قريبي لم يكُن مؤمناً بالرَّب يسوع كمُخلِّصاً شخصيّاً له؟ إنَّه من الصَّعب جدّاً التَّفكير في أنَّ أحد أحبَّائنا ليس في السَّماء مع يسوع، ولكن هذه حقيقة موجودة في الكتاب المقدَّس وأساسها عدالة الله!
فبما أنَّ الله عادل، فهو لن يسكُت عن خطايانا وتعدِّياتنا تجاهه وتجاه الآخرين، بل سيعاقبها العقاب المستحقّ. فالتَّعزية الموجودة في هذا الأمر هو أنَّه لا يمكن لله أن يُخطئ في حُكمه ولا أن يحكُم على أحد ظُلماً.
“تَنَزَّهْتَ عَنْ أَنْ تُهْلِكَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ؛ حَاشَا لَكَ. أَدَيَّانُ الأَرْضِ كُلِّهَا لَا يُجْرِي عَدْلاً؟” (سِفر التَّكوين 25:18)
فنحن نعلم أنَّ كلّ شخص يفعل خطيَّة مستحقّ نار جهنَّم وغضب الله الأبدي، هذه الحقيقة تجعلنا نلتجئ للمسيح. فيسوع هو الذي كفَّر عن خطايا جميع المؤمنين به لكي لا يتعرَّضوا لهذا العقاب، فهو أخذَ العقاب عنهم. وهو قادر أن يفعل نفس الأمر لك ولأحبَّائك، فقط تُب عن خطاياك وثِق في كفَّارته الكاملة عنك لضمان الحياة الأبديَّة.
الخاتمة
الموت حقيقة في حياة البشر، كما أنَّ الحزن حقيقة أيضاً. فالأولى تصطحب معها الثَّانية. ولكنَّ الله هو تعزِيَتنا في أوقات الضِّيق، فهو يستخدم تلك الامتحانات في حياتنا لكي يزيد إيماننا فيه واتِّكالنا عليه. فحتَّى في أوقات الحزن والاكتئاب الله معنا وهو معيننا. فلنتذكَّر من هو الله، أنَّه قدُّوس، عادل، مُحِبّ، مُحسِن، رَحوم، وبارّ… ولا ننسى أنَّه إله التَّعزية!
“تَبَارَكَ اللهُ، أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَرَاحِمِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ” (رسالة بولُس الثَّانية إلى أهل كورنثوس 3:1)
الكاتب: الأخ كمال
Minister & Theologian
مقالات مُشابِهة
الحزن ومشيئة الله
حزن يقود للفرح
آيات عن الحزن