صِفات الله هي موضوع بارز في الكتاب المقدَّس. تُعرِّفنا هذه الصِّفات عن الله أكثر لتُعلِّمنا ما هو كافٍ عنهُ من أجل أن نكون بعلاقة حيَّة معهُ، إحدى هذه الصِّفات أنَّ الله هو روح، لكن ماذا يعني ذلك؟ سنعرف أكثر في المقال التالي.
أرادت المرأة السامرية أن تعرف في أي جبل كان يجب على الناس أن يسجدوا لله (إنجيل يوحنا 20:4). لذلك سألت يسوع إن كان هو جَبَل أورشَليم حَيثُ كانَ يَسجُد اليَهود؟ أم جَبَل جِرزيم حَيثُ كانَ يَسجُد السَّامِرِيُّون؟ لكن كانَ جَواب يَسوع لها بأنَّ السُّجود لله لا يَقتَصِر على مَوقِع مُعَيَّن وليسَ مُحتَكَراً على جَبَلٍ ما، مُعَلِّلاً فِكرَتَهُ بقَولِهِ أنَّ:
…اللهُ رُوحٌ، فَلِذلِكَ لاَبُدَّ لِعَابِدِيهِ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوهُ بِالرُّوحِ وَبِالْحَقِّ” (إنجيل يوحنَّا 24:4).
الله روح، تَعني أنَّ الله لَهُ كيان جَوهَري خاص بِهِ مُتَمَيِّز ومُنفَصِل عن خَليقَتِهِ، وأنَّ هذا الكيان الجَوهري هو غَير مادِّي أو مَلموس، غَير مَرئي، غَير مُرَكَّب مِن أجزاء ولا يُمكِن لَهُ أن يَزيد أو يَنقُص. كَون الله روح يَعني أنَّهُ غَير مَحصور بِمَكان، وغَير مُتَأثِّر بالمادَّة، وهو خارِج الوَقت.
هذا التَّعريف يَحمِل في مَضمونِهِ أنَّ كُل الصِّفات الأساسِيَّة التي تَنتَمي إلى الفِكرة المِثالِيَّة عن الرُّوح مَوجودة فيهِ، وأنَّهُ كائِن واعٍ ولَهُ ذاتِيَّة تَقرير المَصير. فهو روح بالشَّكل المِثالي المُطلَق وبأسمى مَعنى لهذهِ الكَلِمة، وهو غَير مُرَكَّب مِن أجزاء وما نَقصِدهُ بذلك أنَّ الله وصِفاتَهُ هُما واحِد، أي لا يُمكِن أن نَعتَبِر أنَّ صِفات الله هيَ أجزاء مِنهُ، (على سَبيل المِثال لا الحَصر، يَقول يوحَنَّا الرَّسول في رِسالَتِهِ الأولى 8:4 أنَّ الله مَحَبَّة، ولا يَقول أنَّ المَحَبَّة هي جُزء مِنَ الله). ومِنَ الشَّائِع أيضاً بَينَ اللَّاهوتِيِّين القَول أنَّ صِفات الله هيَ الله نَفسهُ وأنَّ كُل جَوهر الله مُوافِق لكُل صِفة مِن صِفاتِهِ. وبإمكانِنا أن نَقول كَما عَبَّرَ أحَد اللَّاهوتِيِّين: “أنَّ جَوهَر الله بِكامِلِهِ في كُل صِفة وأنَّ كُل صِفة هيَ في الجَوهَر.”
القول أنَّ الله روح يُلغي إمكانِيَّة إسناد أي شَيء مادِّي إلى الله، كالقَول أنَّ الله لَهُ جَسَد مَثَلاً، وبالتَّالي هذا يُدين خَيالات بَعض الغَنُّوصِيِّين* والمُتَصَوِّفين في العُصور الوُسطى، وجَميع الذينَ يَنسِبونَ الجَسَد إلى الله في عَصرِنا الحالي. فالكِتاب المُقدَّس عِندَما يتَحدَّث عن يَدَي الله وقَدَمَيه وعَينَيه وأُذُنَيه وفَمِه وأنفِه، يتَكَلَّم بِشَكل مَجازي ويَستَخدِم ما يُعرَف في اللُّغة العَرَبِيَّة بِ(التَّأنيس) في وَصف الإله الذي يَتَجاوَز بِكَثير مَعرِفَتنا البَشَرِيَّة، وبهذهِ الطَّريقة المَألوفة لَدى البَشَر أعلَنَ الله عن ذاتِهِ لَهُم لِيَكشِف حَقائِق روحِيَّة عن نَفسِهِ. ومَعنى أنَّ الله روح يؤكِّد لنا أنَّهُ لَيسَ لدَيهِ أيَّة خَصائِص أو مَيِّزات مادِّيَّة مُتَأصِّلة فيه، وأنَّهُ لا يُمكِن التَّعَرُّف عليهِ عَبرَ الحَواس الجَسَدِيَّة. يَقول عَنهُ بولُس الرَّسول أنَّهُ غَير مَنظور:
فَلِلْمَلِكِ الأَزَلِيِّ، اللهِ الْوَاحِدِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ وَغَيْرِ الْفَانِي، الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِين!
رِسالة بولُس الرَّسول الأولى إلى تيموثاوُس 17:1
الَّذِي وَحْدَهُ لاَ فَنَاءَ لَهُ، السَّاكِنُ فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَيُّ إِنْسَانٍ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ. لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِين! رِسالة بولُس الرَّسول الأولى إلى تيموثاوُس 16:6
على الرّغم من أنَّ جَوهَر الله لا يُرى إطلاقاً، لكن بإمكان الرَّب أن يُعلِن عن نَفسِهِ للبَشَر ولَو بِشَكل جُزئي، حَيثُ يُسَجِّل لنا العَهد القَديم العَديد من المَرَّات ظَهَرَ فيها الله للبَشَرعبرَ اتِّخاذِهِ لِهَيئات مَرئِيَّة مُختَلِفة وظاهِرة للنَّاس. كَون الله روح فهذا لا يَعني استِحالَة تَجَلِّيهِ في جَسَد بَشَري، فقَد ظَهَرَ لإبراهيم في (سِفر التَّكوين 18) في حين أنَّ النَّص يبدَأ بِقَول “ظَهَرَ الرَّب…” نَرى لاحِقاً أنَّ هذا الظُّهور كان على هَيئة رَجُل، وهذا الرَّجُل قَبِلَ سُجود إبراهيم لَهُ وأطلَعَهُ على نُبُوءَة أنَّهُ سَيَكون لَهُ نَسلٍ وأنَّ الدَّينونة سَتأتي على سَدوم وعَمورة. والنَّبي يَعقوب أيضاً عايَنَ تَجَلِّي الله بِهَيئَة بَشَرِيَّة (سِفر التَّكوين 28:32-30) حَيثُ قال “لأنّي شاهَدتُ اللهَ وَجهاً لِوَجهٍ وبَقيتُ حَيّاً”، وقَد تَجَلَّى الله أيضاً لِبَني إسرائيل في عَمود سَحاب نَهاراً وعَمود نار لَيلاً (سِفر الخُروج 21:13-22). ونَرى كيفَ خافَ مَنوح وامرَأتَهُ بَعدَ ظُهور مَلاك الرَّب** لَهُم إذ قالَ مَنوح: “…إنَّنا لا بُدَّ مائِتان لأنَّنا قَد رَأينا الله” (سِفر القُضاة 22:13)، بالإضافة لِظُهورات أُخرى لله في العَهد القَديم.
على الرّغم من أنَّ جَوهَر الله لا يُرى إطلاقاً، لكن بإمكان الرَّب أن يُعلِن عن نَفسِهِ للبَشَر
كُل هذهِ التَّجَلِّيات الإلهِيَّة فيها إشارة لِظُهور الرَّب يسوع المَسيح، لأنَّ التَّجَسُّد هو الظُّهور الأسمى الذي أعلَنَ للبَشَر أوضَح إعلان عن الله: “مَا مِنْ أَحَدٍ رَأَى اللهَ قَطُّ. وَلَكِنَّ الابْنَ الْوَحِيدَ، الَّذِي فِي حِضْنِ الآبِ، هُوَ الَّذِي خَبَّرَ.” (إنجيل يوحَنَّا 18:1). الكَلِمة اليونانِيَّة المُتَرجَمة “خَبَّر” تَعني الكَشف عَمَّا هو مَخفي تَجَسُّد المَسيح كانَ الإعلان الإلهي النِّهائي للبَشَرِيَّة (الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 2:1)، لذلكَ نَرى في تَجَسُّد المَسيح ظُهور مُتَفَرِّد ومُمَيَّز لله، حَيثُ يُعلِن لنا الله بِهِ عن اكتِمال مُخَطَّطِهِ لِفِداء البَشَر والذي تَمَّ في يسوع المَسيح.
Doctrine of God, Loius Berkhof, Kindle Books, Published by Monergism Books.Editions of The Doctrine of God by Louis Berkhof (goodreads.com)
مقالات مُشابِهة
من هو الروح القدس
الحرب الروحية
صلاة النمو في الحياة الروحية