كومة من الكتب المفتوحة

إنّ المُتعارف عليه في مُعظم الإطارات الفكريّة الدينيّة هو أن النبيّ أو مُؤسس الديانة هُو الشخص الذي يكتب كتاب هذه الديانة، لذلك يعتقد الكثير أنّ المسيح كتب الإنجيل، لكن هذا غيّر صحيح. فالمسيح لم يكتب أي كتاب. فلماذا لم يكتب المسيح الإنجيل؟

المسيح هو مُوضوع الكتاب المُقدس

إنّ الكتاب المُقدس ليس مُجرد كتاب تاريخ، ولا كتاب فلسفيّ، ولا مُجرد كتاب به لوائح وقوانين تُنظم الحياة؛ لكن موضوع الكتاب المُقدس هو شخص، هذا الشخص هو يسوع المسيح. فإذا كان مُوضوع الكتاب المُقدس هو شخص المسيح، فمن المنطقيّ أنّ المسيح ليس هو الشخص الذي يكتب الإنجيل. فالمسيح هو مُوضوع الوحيّ من أول سِفر فِي الكِتاب المُقدس إلى آخر سِفر فيه، مِنْ التكوين إلى الرؤيّا. فالمسيح هُو مركز الكِتاب المُقدس. فإذا كان المسيح هو مركز الكِتاب المُقدس ومحوره وموضوعهُ، فمن المنطقي أنّ المسيح ليس هو الشخص الذي يكتب الكتاب حيث مكتوب:

“لَوْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي، لَكَانَتْ شَهَادَتِي غَيْرَ صَادِقَةٍ، وَلكِنْ غَيْرِي يَشْهَدُ لِي، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لِي هِيَ حَقٌّ.”
إنجيل يوحنا 5: 31-32

فالمسيح قالها صراحةً أنه لم يأتِ ليشهد لنفسهِ، لكن الرّوح القُدُس، الذي هو روح الله يشهد لهُ. وأيضًا الرّوح القُدُس يشهد له من خلال التلاميذ حيث قال:

“وَلَكِنْ حِينَمَا يَحُلُّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ تَنَالُونَ الْقُوَّةَ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا، وَفِي السَّامِرَةِ، وَإِلَى أَقَاصِي الأَرْض.”
أعمال الرسل 8: 1

المسيح لم يأتِ إلى الأرض لكي يكتب كتاب

إنّ المسيح لم يأتِ إلى العالم لكي يكتب كتاب، ولكن كانت له إرساليّة مُحددة، وهي تصحيح صورة الله الخاطئة في أذهان البشر، وإتمام رسالة الخلاص والفداء. فالكِتاب المُقدس مِنْ أول سِفر يشهد أن هذه هِي رسالة المسيح، وهذا هُو هدف ظهور المسيّا المُنتظر. سأذكر مثال واحد لنبوة في العهد القديم عن ذلك حيث مكتوب:

مَنْ آمَنَ بِكَلامِنَا، وَلِمَنْ ظَهَرَتْ يَدُ الرَّبِّ؟ نَمَا كَبُرْعُمٍ أَمَامَهُ، وَكَجِذْرٍ فِي أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لَا صُورَةَ لَهُ وَلا جَمَالَ يَسْتَرْعِيَانِ نَظَرَنَا، وَلا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَنْبُوذٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ آلامٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، مَخْذُولٌ كَمَنْ حَجَبَ النَّاسُ عَنْهُ وُجُوهَهُمْ فَلَمْ نَأْبَهْ لَهُ. لَكِنَّهُ حَمَلَ أَحْزَانَنَا وَتَحَمَّلَ أَوْجَاعَنَا،
إشعياء 53: 1-4

هذه النبوة لم تقل أنهُ سيظهر في العالم ليكتب كتاب، ولكن لكي يفدي البشريّة ويتحمل أوجاعها. وأيضًا المسيح نفسه أعلن عن أن هذه رسالته حيث مكتوب:

مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، بَدَأَ يَسُوعُ يُعْلِنُ لِتَلامِيذِهِ أَنَّهُ لابُدَّ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَيَتَأَلَّمَ عَلَى أَيْدِي الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقَامُ.
إنجيل متى 21: 16

المسيح هو الكلمة المُتجسد

لم تكنْ رسالة المسيح تأسيس ديانة مبنيّة علَى كِتاب، لكن المسيح أراد تأسيس حركة تلمذة، فكل شخص يُتلمذ الآخر بحياته، بمثال حي يعيش وسط البشر. فالمسيح منذ أن بدأ رسالته علَى الأرض قضى ثلاث سنوات بين البشر، لم يكتب كتاب، ولكن كان يعيش وسط تلاميذه كلمة مُعاشه، هؤلاء التلاميذ يكتب عنهم الوحيّ أنهم استطاعوا أن يبشروا كُل المسكونة، وقد قلبوا الدنيا بتعليمهم حيث مكتوب:

وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا هُنَاكَ جَرُّوا يَاسُونَ وَبَعْضَ الإِخْوَةِ وَاقْتَادُوهُمْ إِلَى حُكَّامِ الْمَدِينَةِ، وَاشْتَكَوْا عَلَيْهِمْ صَارِخِينَ: «إِنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَلَبَا الدُّنْيَا، قَدْ جَاءَا إِلَى مَدِينَتِنَا أَيْضاً،
أعمال الرسل 6: 17

هؤلاء التلاميذ استطاعوا أن يفعلوا هذا ليس لأن المسيح كتب كتاب، ولكن لأنه هو نفسه كان الكلمة المُتجسد. فقد شاهدوا حياته، وتتلمذوا بأفعاله، وارتووا من رحمته، وتلامسوا مع روعة الحياة الحقيقيّة في المسيح، فاستطاعوا أن يعيشوا هذا، فاستطاعوا أن يتلمذوا الآخرين.

لكن أيضًا مِنْ المنطقيّ أن يكتب التلاميذ الوحيّ لكي يكتبوا عما شاهدوه، وتلامسوا معه فِي حياة المسيح، ليدعوا باقي البشريّة أن تتلامس مع حياة المسيح. فهدف الكِتاب المُقدس ليس مُجرد كلمات ووصايا، ولكن لتساعدك أن تتلامس مع المسيح عندما تقرا كلمات الكِتاب المُقدس فيستخدمها الرّوح القُدُس فِي حياتك فتتلامس مع المسيح فعليًّا، وتستطيع أن تعيش حياة المسيح.

لذلك بوحيّ من الله بدأ التلاميذ كتابة حياة المسيح وتعاليم المسيح لكي يساعدوا باقي البشريّة أن تتلامس مع ما تلامسوا معه هم. لذلك مِنْ المنطقيّ أنْ يكتب التلاميذ بوحيّ من الله كلمات الإنجيل لكي يدعوا البشريّة أن تتلامس بالروح القدس مع المسيح وكأنهم يعيشون معه، ويتلامسوا مع معجزاته ومحبته.

المسيحيّة حياة وليست كلمات مكتوبة فِي كتاب

إنّ المسيحيّة ليست مُجرد الإيمان بكتاب تستطيع مِن خلاله أن تعرف الحلال والحرام، لكن المسيحيّة هي العلاقة مع الله، فالمسيحيّة هي حياة وليست مُجرد تعاليم. فإذا كانت المسيحيّة هي حياة وليس مُجرد معلومات أو مُعتقدات، فمن المنطقيّ أنّ المسيح لم يأتِ ليكتب كتاب، ولكن لكي يُعطي مِثال للحياة الإنسانيّة الحقيقيّة التي يُريدها الله.

لقد أرسل الله التوراة بتعاليم ووصايا، لكي يستطيع الانسان بنفسه أن يختبر انه عاجز عن أن يعيشها ويعترف بذلك. وبعد أن أدرك الإنسان ذلك، أرسل له الله النبوات عن أن المسيّا الذي سيحرر الإنسان من الخطية، فجاء المسيح مثال معاش. ونحن اليوم يجب علينا ألا نردد كلام عقيدة، لكن أن نعيش حياة المسيح. فالتلاميذ بوحيّ مِنْ الله سجلوا حياة وتعاليم المسيح ليس لنرددها، ولكن لنتلامس معها كما تلامسوا هم مع المسيح، لكي نستطيع أن نعيش مع المسيح من خلال كلمات الكتاب، ونرتوي منه بصورة مباشرة ونعيش كلمة الله مُعاشه وليس فقط معلومات.

وها أنت اليوم مدعوا لكي تعيش كلمات الكتاب، وليس لتأخذ معلومات من الكتاب، وليس لتجادل عن إيمانك. ولكن لتعيش حياة التلمذة، وتستطيع أن تُتَلمذ آخرين. هذه هي الحياة المسيحيّة أن تَتَتلمذ أنت، وأيضًا تُتَلمذ الآخرين بحياتك قبل كلماتك.

الكاتبة: لمياء نور

Masters of Arts in Theology, ETSC


مقالات مُشابِهة

هل تم تحريف الكتاب المقدس؟
ماهو مفهوم الوحي في المسيحية؟
كيف أقرأ الكتاب المقدس؟
ما هو الإنجيل ؟

 


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.