خِلال قراءتنا في الكتاب المقدَّس قد نُواجه بعض الأحداث التي لا نَفهمها، لكن العِبرة تكمُن في فهم البيئة التي حصلت فيها تلك الأحداث المذكورة، مما يوضح لنا الكثير من الأُمور التي تبدو مُبهَمة للوَهلة الأولى.
وَرَدَ في إنجيلَي متَّى ومَرقُس أنَّ يسوع عندما كانَ جائِعاً في إحدى المَرَّات توَجَّهَ إلى شَجرَة تين على طَريق أورشَليم لكنَّهُ لم يجِد فيها ثَمَراً، وعلى الرَّغم من أنَّهُ لم يَكُن مَوسِم التِّين قَد حانَ بَعد، إلَّا أنَّ يسوع لَعَنَ الشَّجَرة فَيَبِسَت. لكن لماذا لعَنَها المسيح؟ قَد يَظُن البَعض للوَهلة الأولى أنَّ الرَّب يسوع لعَنَها تَعَسُّفاً لأنَّهُ لم يَكُن قَد حانَ بَعد وَقت قِطاف التِّين، لكن لكي نَفهَم ما حَصَل ونُجيب على هذا السُّؤال يجِب أن نُدرِك طَبيعَة شَجَر التِّين في فلسطين.
الحادِثة بحسَب إنجيل مَرقُس:
“وَفِي الْغَدِ، بَعْدَمَا غَادَرُوا بَيْتَ عَنْيَا، جَاعَ. وَإِذْ رَأَى مِنْ بَعِيدٍ شَجَرَةَ تِينٍ مُورِقَةً، تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا بَعْضَ الثَّمَرِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ فِيهَا إِلاَّ الْوَرَقَ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَوَانُ التِّينِ. فَتَكَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: «لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ ثَمَراً مِنْكِ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!» وَسَمِعَ تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ.” (إنجيل مَرقُس 12:11-14)
في العادة تُنتِج أشجار التِّين ثِماراً أوَّلِيَّة قبلَ أَوانِها لكي تُنبِئ بأنَّ الشَّجَر سَيُعطي مَحصولاً جَيّداً في مَوسمه، لكن إن لم تَحتَوي الشَّجَرة على الثَّمَر الأوَّلي أبَداً فهذا يَعني أنَّها لن تُعطي الثَّمَر المَنشود في المَوسم المُنتَظَر، وبذلك يكون الرَّب يسوع قَد لَعَنَ شَجَرة التِّين تِلك لأنَّها لم تَحمِل الثَّمَر الأوَّلي الذي يُبَشِّر بمَوسِم جَيِّد ولن تُعطي أيّ ثَمَر لاحِقاً. ففي بِدايَة شَهر نيسان تَظهَر على أشجار التِّين أوراق خَضراء وفاكِهة صَغيرة تُشبِه حَبَّات اللَّوز الأخضَر، وهي صالِحة للأكل لكنَّ طَعمها مُرّاً لأنَّها ظاهِرة قبلَ أوانِها، في حين أنَّ ثَمَر التِّين الجَيِّد يَبدأ في شَهر حزيران.¹ هذا من ناحِية أمَّا من ناحِية أُخرى فإنَّ لِما فَعَلَهُ يسوع دَلالات لاهوتِيَّة أيضاً.
تُنتِج أشجار التِّين ثِماراً أوَّلِيَّة قبلَ أَوانِها
الدلالة الروحية
كانَ الرَّب يُريد من الأُمَّة اليَهودِيَّة أن تُنتِج ثِماراً تَليق بالتَّوبة، لكن هذا لم يَنتُج عنهُم، فهُم على الرَّغم من استِقبالهِم الغَفير لهُ حين دَخَلَ أورشَليم إلَّا أنَّ الكَثيرين منهُم لم يَكُن عندهُم الإيمان الحَقيقي، فشَجرَة التِّين تِلك تُمَثِّل الأُمَّة الإسرائيليَّة، واللَّعنة تُمَثِّل نُبوءَة يسوع بخَراب المَدينة الذي حَصَل بعدَها في سَنة 70 م حينَ اقتَحمَ القائِد الرُّوماني تيطُس بجُنودهِ مَدينَة أورشَليم مُهَدِّماً إيَّاها.
كانَ يسوع يُكَلِّم الشَّعب دائِماً بأمثِلة كَثيرة مَحكِيَّة، لكن الذي فَعَلهُ هُنا هو مِثال عَمَلي، وقَد أعطى مِثالاً آخَر عن شَجرَة التِّين في (إنجيل لوقا 6:13-9) حيثُ شَبَّهَ يسوع الأُمَّة الإسرائيليَّة بشَجرَة تين لم تُعطِ ثَمَر لثَلاث سِنين على الرَّغم من اهتِمام زارِعها بِها، إلى أن وَصَلَ بهِ الحال إلى قَطع الشجرة في النِّهاية. ويقول الأب متَّى المِسكين في تَفسيره لهذهِ الحادِثة: “… جَعل زَمان التِّينة بلا ثَمَر لثَلاث سَنوات (في مَثَل إنجيل لوقا)، هو زَمان كِرازَة المسيح وهو يُحاوِل أن يجِد في الأُمَّة اليَهودِيَّة ثَمَراً فلَم يجِد”.²
- Hard Sayings of the Bible (The Hard Sayings Series): Kaiser Jr., Walter C., Davids, Peter H., Bruce, F. F., Brauch, Manfred.
- كتب الاب متى المسكين. تحميل الأعمال الكاملة للتحميل والقراءة عربي (christianlib.com)
مقالات مُشابِهة
من هو يسوع؟
لماذا جاء يسوع إلى العالم؟
الأساسيات في المسيحية