Scale of justification of sin and christ AR

سنتحدث في هذا المقال عن مشكلة الإنسان العظمى، وهي كيف سيتبرر إنسان خاطئ أي يتخلّص من ذنوبه قدّام الله البار والقدوس؟

محاولات الإنسان لتبرير نفسه قدام الله

مشكلة الإنسان العُظمى التي ليس لها حلّ، هي كيف سيقف وهو عاصٍ ومُذنب قدَّام الله القدُّوس والعادل في يوم الحساب؟ فالإنسان يعلَم أنَّه في ورطة وأنَّه تحت القصاص وتحت دينونة الله، ولا يوجد حلّ لهذه المشكلة، وبالتَّالي كان رد فعل البشريَّة للتَّهرُّب من هذه المشكلة هو إمَّا التَّديُّن أو الإلحاد، وقد يبدو الطَّريقان عكس بعضهما البعض، ولكنَّهما نفس الطَّريق للتَّهرُّب من غضب الله.

فالتَّديُّن هو عبادة زائفة قائمة على محاولة الإنسان الوصول إلى الله من خلال تنفيذ وصاياه بكل حزم وصرامة للحصول على رضى الله اعتقاداً بأنَّه سيقبَل الإنسان وينجِّيه من غضبه الآتي، فكل الأديان البشريَّة محورها كيف تصِل إلى الله لكي تتبرَّر قدَّامه وتتخلَّص من شعورك بالذَّنب ومن غضب الله. والإلحاد هو طريق قد يبدو مختلفاً ولكن له نفس الهدف وهو إزالة الشُّعور بالذَّنب والتَّحرُّر من غضب الله، فالمُلحِد يحاول إنكار وجود الله لأنَّ دينونة الله وإحساس الإنسان بذَنبه مرتبطان بوجود الخالق، فيحاول أن يأتي بأدلَّة لكي يُثبت أنَّ الله غير موجود محاولاً خداع نفسه ليمحي شُعوره بذَنبه وإحساسه بغضب الله. كِلا الطَّريقين هما محاولة من الإنسان لكي يحلّ مشكلته سواء بالتَّديُّن أو بإنكار وجود الله.

Justification Graphic

المعضلة المتعلقة بتبرير الإنسان

وجود تلك المعضلة متوقِّف على قداسة الله لأنَّ الله قدُّوس وبارّ وعادل، فكيف لإله قدُّوس بارّ أن يُبرِّر إنسان خاطئ؟ هذا ما توضحه كلمة الله إذ تقول:

“اجْتَنِبْ الاتِّهَامَ الْكَاذِبَ وَلا تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالصَّالِحَ، لأَنَّنِي لَا أُبْرِىءُ المُذْنِبَ. (الخُروج 7:23)

فالله يعطي تصريحاً عن نفسه أنَّه لا يُبرِئ المُذنب، ويعطي تصريحاً آخر فيقول:

“أَنَا الرَّبُّ. الرَّبُّ إِلَهٌ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. أَدَّخِرُ الإِحْسَانَ وَأَغْفِرُ الإِثْمَ وَالْمَعْصِيَةَ وَالْخَطِيئَةَ. وَلَكِنِّي لَا أُعْفِي الْمُذْنِبَ مِنَ الْعِقَابِ، بَلْ أَفْتَقِدُ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَالأَحْفَادِ حَتَّى الْجِيلِ الرَّابِعِ” (الخُروج 6:35-7)

قد يبدو أنَّ تصريحَي الله عن نفسه مُتناقضَين ظاهرياً، فيكف يكون الله رحيماً وبطيء الغضب ويغفر الإثم والمعصية والخطيئة، ولكن لا يعفي المُذنب من العقاب؟

نحن نعلَم أنَّ الله غفور ورحيم، ولكنَّه أيضاً عادل وقدُّوس وبارّ، وهو لن يتغاضى عن عدله لكي يغفر للبشر، فنحن نريد من القُضاة البشريِّين أن يُطبِّقوا العدل على المجرمين المستحقِّين العقاب، وقلوبنا تبتهج عندما نرى مُجرماً ينال عقابه ونرى العدل يتحقَّق، فكيف لا نُطالب الله بتحقيق عدله علينا، ونريد منه أن يرحمنا ويغفر ذنوبنا مُتغاضياً عن عدله وقداسته؟ ومنذ زمن أيُّوب، كان الإنسان يطرح هذا السُّؤال:

“فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ، وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ؟” (أيُّوب 4:25)

ويتوسَّل كاتب المزمور إلى الله قائلاً:

“لَا تُحَاكِمْ عَبْدَكَ، فَلَنْ يَتَبَرَّرَ أَمَامَكَ إِنْسَانٌ.” (مزمور 2:143)1

مشكلة الإنسان الكُبرى تكمن في يوم الدَّينونة النِّهائيَّة وكيف سينجو من غضب الله ذلك اليوم، وسبب هذه المشكلة هي وقوع الإنسان تحت الدَّينونة، لكسره وصايا الله أي النَّاموس، فكما يقول بولس الرَّسول:

“فَإِنَّ أَحَداً مِنَ الْبَشَرِ لَا يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ بِالأَعْمَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الشَّرِيعَةِ.” (رسالة بولس إلى أهل روما 20:3)

الحل الإلهي لهذه المعضلة

ثمَّ يأتي الحلّ من عند الله، والحلّ هو أنَّ الله يبرِّر الفاجر. مصطلَح “يبرِّر” يعني إعلان أو احتساب شخص ما أنَّه “بارّ” أي “بريء”، وهذا تعبير قانوني يشير إلى إصدار حكم براءة على شخص متَّهم، حيث يعلِن القاضي براءته من التُّهَم الموجَّهة إليه بأنَّه لا يستحق العقاب الذي سيجلبه عليه الذَّنب الذي ارتكبه.

وإذا نظرنا إلى استخدام كلمة “يُبرِّر” في كل الكتاب المقدَّس، نلاحظ أنَّها تُستخدَم بالتَّباين مع مصطلَح “يدين” فالمصطلَحان يُستخدمان بشكل قضائي:

“إِذَا نَشَبَتْ خُصُومَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَرَفَعُوا دَعْوَاهُمْ إِلَى الْقَضَاءِ لِيَحْكُمَ الْقُضَاةُ بَيْنَهُمْ، فَلْيُبَرِّئُوا الْبَرِيءَ وَيَحْكُمُوا عَلَى الْمُذْنِبِ.” (التَّثنية 1:25)

فإدانة الأشرار لا تعني أنَّها تجعلهم أشراراً بل إنَّها تحكم عليهم بأنَّهم مذنبون بحسب النَّاموس.

أيضاً في العهد الجديد:

“وَلَمَّا سَمِعَ ذلِكَ جَمِيعُ الشَّعْبِ، حَتَّى جُبَاةُ الضَّرَائِبِ، اعْتَرَفُوا بِبِرِّ اللهِ” (لوقا 29:7)

اعترفوا ببِرّ الله ليس معناه أنَّهم جعلوا الله بارّاً، حاشا. ولكنَّهم بذلك أعطوا حكماً على أنَّ الله بارّ (إن جاز التَّعبير) في كل طرقه. وكلمة “يُبرِّر” غالباً ما تأتي في سياق قضائي أو قانوني مثل:

“وَمَنْ سَيَتَّهِمُ مُخْتَارِي اللهِ؟ إِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ، فَمَنْ ذَا يَدِينُ؟” (روما 33:8-34)

التبرير

يقول داود في المزمور:

“طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَتْ آثَامُهُ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيئَةً، وَلَيْسَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ.” (مزمور 1:32-2)

هذه بعض الشَّواهد الكتابيَّة التي تتكلَّم عن التَّبرير في سياق قضائي، ومعنى أنَّ الله يبرِّر شخصاً أي أنَّه يجعله بارّاً قانونياً.2

ويرتبط فعل “يحسب” ارتباطًا وثيقًا بالفعل “يبرِّر”، فنرى أنَّ النَّص في (التَّكوين 6:15) يتكلَّم عن إبراهيم “فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسَبَهُ لَهُ بِرّاً.” والتَّبرير هنا له تأثيران فعندما نقول إنَّ الله يبرِّر الخاطئ، أي أنَّه يحسب ذنب الخاطئ على المسيح ويحسب بِرّ المسيح للخاطئ، بمعنى أنَّ الله اعتبر المسيح مذنباً وحكم عليه بالموت نتيجة هذا الاحتساب، واعتبر الله الخاطئ بريئاً وحكم عليه بأنَّه بارّ نتيجة هذا الحسبان، لذلك نقول إن احتساب البر له تأثيران.

يعتمد أساس وثمن التَّبرير على موت المسيح يسوع على الصَّليب وقيامته من الأموات في اليوم الثَّالث كما جاء في الكتاب المقدَّس. فالحدَثان مع بعض هما أساس التَّبرير، فليس موت المسيح فقط على الصَّليب هو أساس التَّبرير ولكن قيامة المسيح من الأموات هي خير دليل على تبريرنا لأنَّنا لن نعرف أنَّنا أبرار إلا عندما قام المسيح من الأموات لكي يُثبت تبريرنا قدَّام الله، وأنَّ الله قَبِل ذبيحة المسيح ووافق على موته نيابةً وبدلاً عن شعبه لذلك أقام الله يسوع المسيح من الموت في اليوم الثالث، ونرى ذلك في قول بولس الرَّسول في رسالته إلى أهل روما:

“الَّذِي أُسْلِمَ لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا ثُمَّ أُقِيمَ مِنْ أَجْلِ تَبْرِيرِنَا.” (روما 25:4)

فنرى أنَّ تأثيرا احتساب البِرّ يتحقَّقان في الصَّليب، فالتَّأثير الأوَّل هو في الصَّليب عندما حمل يسوع المسيح خطايا شعبه.

“وَهُوَ نَفْسُهُ حَمَلَ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ (عِنْدَمَا مَاتَ مَصْلُوباً) عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطَايَا فَنَحْيَا حَيَاةَ الْبِرِّ. وَبِجِرَاحِهِ هُوَ تَمَّ لَكُمُ الشِّفَاءُ” (رسالة بطرس الأولى 24:2)

ويأخذ هو عقاب الموت على نفسه لأنَّه نائب وبديل عن كل من يؤمن به، ففي الصَّليب أعلنَ الله أنَّ المسيح مذنب ويستحق العقاب لأنَّه صار خطيَّة وحمل خطايا شعبه المؤمنين به.

“فَإِنَّ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيئَةً، جَعَلَهُ اللهُ خَطِيئَةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.” (رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 21:5)

والتَّأثير الثاني من احتساب البِرّ هو إعلان الله أنَّه سيحسب بِرّ المسيح لشعبه، بمعنى أنَّ شعبه أي المؤمنين بالمسيح صاروا أبراراً ولا يستحقُّون عقاب الموت لأنَّ المسيح أخذ عقابهم وهم أخذوا بِرّه، فحُسِبَ بِرّ المسيح لهم وحُسِبَ ذَنبهم للمسيح.

أمَّا وسيلة التَّبرير فهي الإيمان فقط، ففي الإيمان يتَّحِد الشَّخص المؤمن بالمسيح يسوع ويأخذ بِرّ المسيح الذي له بالإيمان، “الوسيلة الضَّروريَّة أو السَّبب الفعَّال، للتَّبرير هو الإيمان الشَّخصي بيسوع المسيح بصِفته المُخلِّص المصلوب والرَّب المُقام. وهذا راجع لأنَّ أساس استحقاق تبريرنا بالكامل هو المسيح. وإذ نعطي أنفسنا بالإيمان ليسوع، يعطينا يسوع هبة بِرّه”3 . “الإيمان الذي يبرِّر هو إيمان حيّ، وليس إعلاناً عقيماً للإيمان. والإيمان هو ثقة شخصيَّة تتَّكل على المسيح وحده من أجل الخلاص. والإيمان المُخلِّص هو أيضاً إيمان التَّائب الذي يتَّخذ من المسيح مُخلِّصاً وربّاً.”4

righteous in arabic

التطبيقات العملية لعقيدة التبرير بحسب الكتاب المقدس

  1. أوَّل بركة من بركات التَّبرير يذكرها بولس هي السَّلام مع الله، فبعد أن كنَّا أعداء مع الله وأبناء غضب، صارَ لنا سلام مع الله عندما تبرَّرنا بالإيمان وحده.

“فَبِمَا أَنَّنَا قَدْ تَبَرَّرْنَا عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ، صِرْنَا فِي سَلامٍ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (روما 1:5)

  1. ثاني بركة هي ضمان استمراريَّة هذا السَّلام، فهو لن يُفقد لأنَّ التَّبرير حُكم نهائي من الله لا رجعة فيه، وهو لا يتوقَّف على مدى نزاهتي في حياتي المسيحيَّة معه، ولا يتوقَّف على كثرة التَّوبة لكي أحصل على الغفران، ولكن تبرير الله لي متوقِّف على بِرّ المسيح، فالله ينظر إليَّ من خلال بِرّ المسيح، فالمسيح فعلَ كل ما عليَّ فعله لكي يحسبه الله لي، لذلك لن يغضب الله مرَّة أُخرى عليَّ لأنَّه لن يغضب على المسيح، وهذا السَّلام الذي من الله هو نتيجة معرفة أن لا دينونة على من تبرَّر بالإيمان.

    “فَالآنَ إِذاً لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيَّةُ دَيْنُونَةٍ بَعْدُ.” (روما 1:8)

مع الله سنظل مبررين

نحن نعرف أنَّ الله عادل وأمين، فإذا قلنا إنَّنا سنُدان ونفقد تبريرنا لأنَّنا لم نتُب عن خطايانا، فهذا إعلان واضح أنَّ الله غير عادل لأنَّه يعاقب على الخطية مرَّتين، مرَّة عندما عاقب الخطيَّة على المسيح والمرَّة الثانية في يوم الدَّينونة العظيم عندما يدين الخاطئ الذي لم يتُب، وأيضاً ضمنياً كأنَّنا نقول إنَّ موت المسيح غير كافٍ لإرضاء عدالة الله.

الله لن يرجع في حكمه ولن يُفقِدنا سلامنا الذي في المسيح يسوع، تطبيق آخر هو أنَّي مهما فعلت من خطيَّة فهذا لن يجعل الله أقلّ حُبّاً لي، لا يوجد شيء سأفعله يجعل الله يحبّني أقلّ لأنَّني محبوب في المسيح يسوع:

“وَمَنْ سَيَتَّهِمُ مُخْتَارِي اللهِ؟ إِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ…. فَمَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ لَنَا؟” (روما 33:8-35)

يتكلَّم بولس الرَّسول عن تبرير الله لنا وأنَّه لا يوجد قوَّة تقدر أن تفصلنا عن محبَّة المسيح بسبب تبرير الله لنا، ولا يوجد من يشتكي علينا لأنَّ الله هو الذي برَّرنا، فإذا كان تبريرنا متوقِّفاً على توبَتنا وأعمالنا فنحن بالتَّأكيد سنسقط من محبَّة المسيح، وسيوجد من يشتكي علينا وسيكون هناك ما يفصلنا عن محبَّة المسيح، ولكن نشكر الله أنَّ تبريرنا متوقِّف عليه فقط، وأنَّه لا يوجد شيء ممكن أن أفعله سيجعله يحبّني أكثر من محبَّته لي الآن في المسيح يسوع، فما أعظم هذا الضَّمان أنَّ قبولي قدَّام الله ليس متوقِّفاً عليَّ بل عليه هو لأنَّ المسيح فعل كل شيء وليس عليَّ ما أفعله، بل كل ما عليَّ هو أن أستمتع بتبريره لي الذي لن أفقده في المسيح.

الكاتب: بول

Theologian

  1. محاضرات في علم اللاهوت النظامي، 281 . هنري كلارسن ثيسن
  2. براءة أم تبرير، 55 . جيمس بيوكانان
  3. موجز علم اللاهوت، 192 . ج. آي. باكر
  4. حقائق وأساسيات الإيمان المسيحي، 216 . آر.سي.سبرول

مقالات مُشابِهة

الغاية لا تبرر الوسيلة
بر المسيح (الصلاح)
لماذا صام المسيح؟


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.