على من نزل الإنجيل؟

لمدَّة ألفَي عام، بحَوزَتنا ما يُعرَف بالإنجيل، فما هو هذا الإنجيل وكيف حَصلنا عليه؟

تعريف الإنجيل

“الكلمة اليونانية الواردة في العهد الجديد هي كلمة εὐαγγέλιον“
تعني هذه الكلمة الخبَر السَّارّ!
فهذا هو التَّعريف اللُّغَوي للكلمة، أمَّا التَّعريف اللَّاهوتي لها أتى على قلَم الرَّسول بولُس، الذي فسَّرَ الإنجيل لكنيسَة كورِنثوس عندما قال:

“عَلَى أَنِّي أُذَكِّرُكُمْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ وَمَازِلْتُمْ قَائِمِينَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَتَمَسَّكُونَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي بَشَّرْتُكُمْ بِها، إِلّا إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثاً. فَالْوَاقِعُ أَنِّي سَلَّمْتُكُمْ، فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، مَا كُنْتُ قَدْ تَسَلَّمْتُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَفْقاً لِمَا فِي الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَفْقاً لِمَا فِي الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِبُطْرُسَ، ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ مِئَةِ أَخٍ مَعاً مَازَالَ مُعْظَمُهُمْ حَيًّا، فِي حِينِ رَقَدَ الآخَرُونَ. ثُمَّ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لِلرُّسُلِ جَمِيعاً. وَآخِرَ الْجَمِيعِ، ظَهَرَ لِي أَنَا أَيْضاً، وَكَأَنِّي طِفْلٌ وُلِدَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ!” (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 1:15-8)

فالواضح من هذا التَّعريف، أنَّ الإنجيل مُتَمَحوِر حَول شَخص ما، وهذا الشَّخص هو المسيح. فيقول بولُس أنَّ هذا الإنجيل هو أنَّ المسيح قد مات، ودُفِن، ومن بَعدِها قام من المَوت ورآهُ عدد هائِل من النَّاس بعد أن قام، وكُلّ هذا لأجل خَطايانا!

كيفية حصولنا على الإنجيل

بما أنَّ الإنجيل مُتمَحوِر حَول شخص يسوع المسيح، فهو أيضاً مصدَرَه!
تبدأ رسالة العبرانيّين بالآية التَّالية:

“إِنَّ اللهَ، فِي الأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ، كَلَّمَ آبَاءَنَا بِلِسَانِ الأَنْبِيَاءِ (الَّذِينَ نَقَلُوا إِعْلانَاتٍ) بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ وَمُتَنَوِّعَةٍ. أمَّا الآنَ، فِي هَذَا الزَّمَنِ الأَخِيرِ، فَقَدْ كَلَّمَنَا بِالابْنِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِهِ قَدْ خَلَقَ الْكَوْنَ كُلَّهُ!” (الرِّسالة إلى العبرانيّين 1:1-2)

فبعبارة أُخرى، الإنجيل (أي الخبَر السَّار) نَزَلَ مع المسيح. فالمسيح هو الله الذي كان مع الآب منذ البَدء وهو أتى من السَّماء حامِلاً لنا هذا الخبَر المُتجَسِّد بشَخصه. بداية الإنجيل الفعليَّة تكمُن في تجسُّد المسيح، آخِذاً صورَة البشَر. عاش المسيح حياةً كامِلة مُخضِعاً نفسهُ لشَريعة الله ومُتمِّمها بالكامِل. صُلِبَ المسيح وماتَ ودُفِنَ لأجل خطايانا، وبالتَّالي قدَّم الكفَّارة عن آثامنا. قام المسيح مُنتَصِراً من الموت لأنَّهُ الله ولا يُمكن لأمير الحَياة ورَبّ المَجد أن يبقى في القَبر.

الإنجيل المكتوب

انتَقلت هذه البُشرى السَّارَّة، أنَّ الخُطاة لديهِم رَجاء بما فَعَلهُ المسيح، من خلال المسيح وتلاميذه. فقام التَّلاميذ بنَشر هذه الرِّسالة بعد صُعود المسيح إلى السَّماء، في كُلّ أنحاء الأرض، طائِعين كلمة سيِّدهم الذي أوصاهُم وقال:
“وَلَكِنْ حِينَمَا يَحُلُّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ تَنَالُونَ الْقُوَّةَ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا، وَفِي السَّامِرَةِ، وَإِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ.” (أعمال الرُّسُل 8:1)

وقد نقَلوا هذا الخبَر بطَريقة شفهيَّة، بسبب تَحدّي الكِتابة في تلك الفترة، من ناحيَة المُستَلزَمات. فكانت الكِتابة على جِلد الحيوانات أو على وَرق البابايرُس، وهي نبتة موجودة في المناطِق الواقِعة على ضفَّة نهر النّيل. ولهذا السَّبب كان الاحتِفاظ بهذه المَخطوطات ونَسخها أمر ليسَ بسَهل.

يوجد في كُتُبِنا المُقدَّسة اليوم 4 أناجيل في العهد الجديد بالإضافة إلى سِفر أعمال الرُّسُل ومن ثمَّ عدد لا بأس به من الرَّسائل.
الأناجيل الأربعة موجودة تحت أسماء: متَّى، مَرقُس، لوقا، يوحنَّا. وسوف نتكلَّم بإيجاز عن كُلٍّ منها.

إنجيل متَّى

تاريخ كِتابة هذا الإنجيل ترجع لأواسِط القرن الأوَّل. بحسب التَّقليد، كُتِب إنجيل متَّى بين أواخِر خَمسينيَّات أو أوائل ستّينيَّات القرن الأوَّل. كاتِب هذا الإنجيل مُرجَّح أن يكون متَّى العَشَّار، تلميذ يسوع، بالرّغم من عدَم وجود اِسمه على المَخطوطة الأصليَّة كونه قام بكِتابتها لكنيسَته. وبما أنَّ متَّى كان عشَّاراً، فهذا يُرَجِّح أنَّهُ كان قد اكتَسبَ مَهارات الكِتابة. وكَونه من منطقة الجَليل، وكَونه كَتَب الإنجيل لقُرَّاء من خلفيَّة يهوديَّة، فهذا يُفسِّر قُدرته على تَحليل كلام المسيح من ناحيَة النُّبوءات المُختصَّة به في العهد القديم.

إنجيل مَرقُس

يُعتَبَر هذا الإنجيل الأوَّل من حيث زَمَن الكِتابة، فيرجع تاريخ كِتابته لأواسِط خمسينيَّات القرن الأوَّل. كاتِب هذا الإنجيل هو يوحنَّا مَرقُس، مُساعِد الرَّسول بطرُس. يكتُب لنا المؤرِّخ يوسيبيوس عن فم “بابياس” (راعي كنيسة هيرابوليس سنة 120) قولهُ أنَّهُ تلقَّى عن فم الرَّسول يوحنَّا تلميذ المسيح عن يوحنَّا مَرقُس التَّالي:

1- أنَّهُ كانَ من يكتُب عن بطرُس الرَّسول.
2- أنَّهُ كَتب بدقَّة كُلّ ما سَرَدهُ له بطرُس، الذي قام بسَرد ما كان ينفع الحاجة في تلك الفترة.
3- أنَّهُ لم يكُن شاهِد عيان لقِيامَة المسيح ولا تلميذاً له.
4- أنَّ رَغبتهُ كانَت بألَّا يُلغي أو يُسيء تقديم أيّ مَعلومة مُعطاة لهُ من بطرُس.
فإنجيل مَرقُس يأخُذ رسوليَّته كَونه مُرتَبِط مُباشرةً بالرَّسول بطرُس.

إنجيل لوقا

كاتِب هذا الإنجيل من جنسيَّة يونانيَّة ولم يكُن من شُهود عيان قِيامَة المسيح، ولكنَّهُ كان أحَد مُرافِقي بولُس الرَّسول في رحلاتهِ التَّبشيريَّة. تُرَجَّح كِتابته لأوائل ستّينيَّات القرن الأوَّل. كاتِب هذا الإنجيل، أي لوقا، هو نفسه كاتِب سِفر أعمال الرُّسُل، وهذا واضح من مُقدِّمَة السِّفرَين.

إنجيل يوحنَّا

الأدِلَّة الكِتابيَّة لكَون يوحنَّا اِبن زَبَدي، أي التّلميذ الذي كان المسيح يُحِبّهُ، هو كاتِب الإنجيل كثيرة وواضحة ضِمن هذا الإنجيل. فيوحنَّا كان شاهِد عيان لقِيامَة المسيح كما أنَّهُ كان من وَقَفَ تحت الصَّليب بينما كان يسوع مُعلَّقاً عليه. تُرَجَّح كِتابة هذا الإنجيل بين سَبعينيَّات القرن الأوَّل وأواخره، وذلك لإشارة يوحنَّا لبَحر الجَليل كبُحيرَة طَبريَّا، وهذا الاِسم لم يكُن مُستخدَماً للتَّعبير عن هذا البَحر إلَّا في أواخِر القرن الأوَّل.

الخاتمة

إنَّ الإنجيل هو شخص، يسوع المسيح، الله الذي ظَهَرَ في الجسَد لكي يَدفَع ثمَن خطايا البشَر لكي لا يَهلِك كُلّ من يؤمن به. بِشارَة الإنجيل هي رسالة شفهيَّة، كما أنَّ لدينا مُحتوى تلك الرِّسالة في العهد الجديد من الكِتاب المُقدَّس. المسيح لم يكُن رَسول تلك الرِّسالة، بل هو الرِّسالة بحدِّ ذاتها!

---

مقالات مُشابِهة

ما هو الإنجيل ؟
لماذا لم يكتب المسيح الإنجيل؟
الترجمات العربية للكتاب المقدس

---