بِدون أيّ مُنازِع، إنَّ شَخصِيَّة يَسوع النَّاصِري هي الشَّخصِيَّة التي أحدَثَت الاِهتِمام الأكبَر في الألفِيَّتَين الماضِيَتين. مَواضيع مُتَعَدِّدة جَذَبَت الاِنتِباه، من مَولِدِهِ العَجائِبي من عَذراء وصُنعه لِمُعجِزات وحَياتِهِ المِثالِيَّة وأُلوهِيَّتِهِ وصَلبِه، حَتَّى قِيامَتِه من الأموات. ولكن الأمر الذي يَطرَح العَديد من الأسئِلة عندَ المُشَكِّكين هو مَوضوع القِيامة من بَين الأموات. ولكن كيفَ لَهُ أن يَقوم إن لم يَكُن قَد مات؟ فَمَوت المَسيح لَهُ إثباتات تاريخِيَّة وطِبِّيَّة مُقنِعة.
الإثباتات التاريخية
تاريخِيّاً، الوَسيلة الأكثَر استِخداماً في العالَم القَديم هي وَسيلة الصَّلب. كانَ الصَّلب يَتِمّ عادَةً على من يَعتَدي على الهَيمَنة أو السَّيطرة الرُّومانِيَّة. وكانَت نَظرَة الرُّومان لهذهِ الوَسيلة بأنَّها الوَسيلة الأكثَر ذُلّاً لِلمَوت، فقالَ المُحامي والشَّاعِر الرُّوماني سيسيرو: “الكَلِمَة بِحَدّ ذاتها “الصَّليب” يجِب أن تُمحى ليسَ فقَط من المُواطِن الرُّوماني، بَل حتَّى من أفكارِهِ وعَينَيهِ وأُذُنَيه.”
الأناجيل الأربعة يذكرون صلب المسيح:
وَسَارُوا بِهِ إِلَى مَكَانِ الْجُلْجُثَةِ، أَيْ مَكَانِ الْجُمْجُمَةِ. وَقَدَّمُوا لَهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ، فَرَفَضَ أَنْ يَشْرَبَ. وَبَعْدَمَا صَلَبُوهُ تَقَاسَمُوا ثِيَابَهُ، مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا لِمَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ. وَكَانَتِ السَّاعَةُ التَّاسِعَةَ صَبَاحاً حِينَمَا صَلَبُوهُ. وَكَانَ عُنْوَانُ تُهْمَتِهِ مَكْتُوباً: “مَلِكُ الْيَهُودِ”. وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ، وَوَاحِداً عَنْ يَسَارِهِ. فَتَمَّتِ الآيَةُ الْقَائِلَةُ: “وَأُحْصِيَ مَعَ الْمُجْرِمِينَ”.
إنجيل مَرقُس 22:15-28
فَسَلَّمَهُ بِيلاطُسُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ. فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ بِمَكَانِ الْجُمْجُمَةِ، وَبِالْعِبْرِيَّةِ: “جُلْجُثَةِ”. وَهُنَاكَ صَلَبُوهُ وَصَلَبُوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ، وَاحِداً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ.
إنجيل يوحَنَّا 16:19-18
وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ بالْجُلْجُثَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى مَكَانَ الْجُمْجُمَةِ، أَعْطَوْا يَسُوعَ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ فَلَمَّا ذَاقَهَا، رَفَضَ أَنْ يَشْرَبَهَا. فَصَلَبُوهُ، ثُمَّ تَقَاسَمُوا ثِيَابَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا. وَجَلَسُوا هُنَاكَ يَحْرُسُونَهُ؛ وَقَدْ عَلَّقُوا فَوْقَ رَأْسِهِ لافِتَةً تَحْمِلُ تُهْمَتَهُ، مَكْتُوباً عَلَيْهَا: “هَذَا هُوَ يَسُوعُ، مَلِكُ الْيَهُودِ”. وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنِ الْيَمِينِ، وَوَاحِداً عَنِ الْيَسَارِ.
إنجيل مَتَّى 33:27-38
وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُدْعَى الْجُمْجُمَةَ، صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُجْرِمَيْنِ، وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَالآخَرُ عَنِ اليَسَارِ. وَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبِي، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا يَفْعَلُونَ!» وَاقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا.
إنجيل لوقا 33:23-34
صلب المسيح بحسب المؤرّخين الرومان:
• تاسيتوس (55م – 117م): يُعتَبَر أشهَر مؤرِّخ روماني، وقَد رَبَطَ اِسم وأصل المَسيحِيِّين بإسم “كريستوس” أي “المَسيح” وقالَ عَنهُ إنَّهُ عانى المَوت في عَهد القَيصَر طيباريوس مَحكوماً عليهِ من الوالي الرُّوماني بيلاطُس البُنطِيّ.
• لوسيان (نحو 125م – 190م): إنَّهُ شاعِر ووَصَفَ المَسيح في هِجائِهِ بِأنَّهُ الشَّخص الذي “صُلِبَ في فلسطين بِسَبَب بَدئِهِ” للمَذهَب الجَديد، أي المَسيحِيِّين، وسَخِرَ مِنهُم أيضاً بِسَبَب “عِبادَتِهِم لذلكَ الفَيلَسوف المَصلوب”.
هاتان الشَّهادَتان لَهُما قيمة تاريخِيَّة هائِلة بِكَونِهِما جاءَتا من رومانِيَّين مُثَقَّفَين كانا يَحتَقِرانِ المَسيح ويُعادِيانِه.
صلب المسيح بحسب المؤرّخ اليهودي
فلافيوس يوسيفوس (نحو 37م – 100م): اليَهودي الثَّري الذي حاوَلَ بِكِتاباتِهِ أن يُدافِع عن اليَهودِيَّة لَدى المُثَقَّفين الرُّومان. وتَحَدَّثَ عن مَوت المَسيح بِقَولِهِ: “الرَّجُل الحَكيم الذي حَكَمَ عليهِ بيلاطُس بِالمَوت على الصَّليب”
هذهِ الشَّهادة اليَهودِيَّة أيضاً أتَت من شَخص لم يَكُن صَديقاً لِلمَسيحِيِّين بَل أرادَ أن يُدافِع عن يَهودِيَّتِه.
تاريخيّة بيلاطس البنطي و دوره الأساسي في صلب المسيح
شَخصِيَّة بيلاطُس البُنطي التَّاريخِيَّة، شَخصِيَّة مَرجِعِيَّة مُرتَبِطة ارتِباط تامّ بِصَلب المَسيح. فلَولا دَورِهِ في مَوت المَسيح لَكانَ هو غَير مَعروفاً في يَومِنا هذا مِثل أسلافِهِ كوبونيس وفاليريوس غراتوس. فإسم بيلاطُس مَذكور في حادِثَة الصَّلب في كُلٍّ من الأناجيل الأربَعة. كما أنَّ تاسيتوس ويوسيفوس أيضاً ذَكَروهُ في شَهاداتِهِم وذَكَروا دَورَهُ في صَلب المَسيح. بيلاطُس البُنطي كانَ والي اليَهودِيَّة في عَهد القَيصَر طيباريوس، و هذهِ الحَقيقة مؤرَّخة في إنجيل لوقا:
وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِ الْقَيْصَرِ طِيبَارِيُوسَ؛ حِينَ كَانَ بِيلاطُسُ الْبُنْطِيُّ حَاكِماً عَلَى مِنْطَقَةِ الْيَهُودِيَّة…
إنجيل لوقا 1:3
و في عام 1961، تَمَّ اكتِشاف لَوحَة أثَرِيَّة مَحفورٌ عليها باللَّاتيني ما مَعناه:
إلى الآلِهة الكِرام
هذهِ الطِّيباريوسِيَّة
بيلاطُس البُنطي
والي اليَهودِيَّة
قَد خَصَّص
فقَد خَصَّصَ بيلاطُس تِمثالاً خاصّاً بالقَيصَر طيباريوس لأجل إرضاء القَيصَر وكَسب مَصلَحَتِهِ.
كما أنَّ اِسم بيلاطُس البُنطي كانَ اِسماً مَعروفاً بينَ المؤمِنين المَسيحِيِّين بِكَونِهِ الوالي الذي أَمَرَ بِقَتل المَسيح من خِلال تَسليمِهِ إيَّاه لليَهود لِكَي يُصلَب. فكانَت شُهرَتهُ كَبيرة للغاية بين المَسيحِيِّين، حتَّى ظَهَرَ اسمهُ بالعَقيدة النِّيقِيَّة – القسطَنطينِيَّة التي أُقِرَّت عام 381 في مَدينَة القسطَنطينِيَّة: “صُلِبَ على عَهد بيلاطُس البُنطي”
إنَّ حادِثَة صَلب المَسيح مُعَزَّزة بالتَّاريخ، وغَير مَحدودة فقَط بِشَهادَة الأناجيل في الكِتاب المُقَدَّس، بَل مَذكورة من قِبَل المؤرِّخين غَير المَسيحِيِّين والذينَ سَخِروا من المَسيح. كما أنَّ هذهِ الحادِثَة مُرتَبِطة ارتِباطاً وَثيقاً بِشَخصِيَّات تاريخِيَّة كالقَيصَر طيباريوس أو والي اليَهودِيَّة بيلاطُس البُنطي.
الأدِلَّة الطِبيَّة لموت المسيح
كُل من الأناجيل الأربَعة يَذكُر أنَّ المَسيح قَد ماتَ بعدَ أن صُلِب:
وَقَالَ يَسُوعُ صَارِخاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا أَبِي، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي!» وَإِذْ قَالَ هَذَا، أَسْلَمَ الرُّوحَ.
إنجيل لوقا 46:23
فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.
إنجيل مَرقُس 37:15
بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدِ اكْتَمَلَ، فَقَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ»، لِيَتِمَّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ. وَكَانَ هُنَاكَ وِعَاءٌ مَلِيءٌ بِالْخَلِّ، فَغَمَسُوا فِي الْخَلِّ إِسْفِنْجَةً وَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا، وَرَفَعُوهَا إِلَى فَمِهِ. فَلَمَّا ذَاقَ يَسُوعُ الْخَلَّ، قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ!» ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.
إنجيل يوحَنَّا 28:19-30
فَصَرَخَ يَسُوعُ مَرَّةً أُخْرَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.
إنجيل مَتَّى 50:27
يَشهَد الكِتاب المُقدَّس على حَتمِيَّة مَوت المَسيح على الصَّليب، و لكن ما هو السَّبَب الرَّئيسي لِمَوتِه؟
المَرحَلة الأولى: الجَلد
كانَت وَسيلَة القَتل بالصَّلب من اختِصاصات الجُنود الرُّومان، وكانوا يَجعَلونَ ضَحِيَّتَهُم يَمُرّ بِعِدَّة مَراحِل قَبلَ مَقتَلِهِ، أولى تِلكَ المَراحِل كانَت الجَلد.
… وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إِلَى الصَّلْبِ.
إنجيل مَتَّى 26:27
غالِباً ما نَمُرّ على هذهِ الكَلِمة بِقِراءَتِنا لِمَقطَع مَوت المَسيح مُرور الكِرام دونَ أن نُدرِك مَدى أهَمِّيَّتها في مَوت المَسيح. الجَلد على يَد الجُنود الرُّومان كانَ أمراً قاسِياً للغاية، فكانَ عادَةً مُكَوَّناً من 39 جَلدة، ولكن الرُّومان كانوا يَستَمتِعون بأكثَر من ذلكَ بِكَثير. كانَ الجَلد يَتِم بِاستِخدام ثَلاثة حِبال من الجِلد مَربوطين بِعَصاة، وكانَت تِلكَ الحِبال مَعقودة بِقِطَع من المَعادِن الصَّغيرة (عادَةً حَديد)1 و قِطَع من العِظام الصَّغيرة. وكانَ الجَلد يُرَكَّز على الظَّهر والفَخذَين. وبهذهِ الطَّريقة، كانَت هذهِ الوَسيلة تُزيل الجِلد عن الضَّحِيَّة بِسُهولة. فَوَصَفَ المؤرِّخ يوسيبيوس ذلك: كانَت عُروق الضَّحِيَّة عارِية، وحَتَّى العَضَلات، الأوتار والأحشاء كانَت مَكشوفة. وهذا الأمر جَعَلَ المَسيح في حالَة حَرِجَة حَتَّى قبلَ وُصولِهِ إلى الصَّليب.
المَرحَلة الثَّانِية: تاج الشَّوك
لم تَكُن مَرحَلَة تاج الشَّوك مُعتَمَدة مع الجَميع، ولكن كَون المَسيح لم يُنكِر ادِّعاء بيلاطُس بأنَّهُ مَلِك اليَهود، سَخِرَ مِنهُ الجُنود الرُّومان بِوَضعِهِم على جَبينِهِ تاج من الأشواك التي ثَقَبَت جَبينَهُ.
وَجَدَلُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَوَضَعُوا قَصَبَةً فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، وَرَكَعُوا أَمَامَهُ يَسْخَرُونَ مِنْهُ وَهُمْ يَقُولُونَ: “سَلامٌ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ”.
إنجيل مَتَّى 29:27
وكَون الجَبين غَنِيٌّ بالأوعِية الدَّمَوِيَّة، فالتَّاج يَكون قَد سَبَّبَ خَسارَة دَمّ كَبيرة للمَسيح.
المَرحَلة الثَّالِثة: الصَّلب
الصَّلب هو المَرحَلة ما قَبل الأخيرة، فكانَ الضَّحِيَّة مُلزَماً بِحَمل صَليبِهِ أو العارِضة إلى مَكان صَلبِهِ. وذلكَ لم يَكُن غَريباً عن المَسيح، ولكن بِسَبَب حالَتِهِ لم يَستَطِع على حَمل الصَّليب فَسَخَّروا شَخصاً آخَر لِيَحمِل الصَّليب كما هو مُدَوَّن بالأناجيل.
وَبَيْنَمَا كَانَ الْجُنُودُ يَسُوقُونَهُ إِلَى الصَّلْبِ، وَجَدُوا رَجُلاً مِنَ الْقَيْرَوَانِ اسْمُهُ سِمْعَانُ، فَسَخَّرُوهُ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ الصَّلِيبَ.
إنجيل مَتَّى 32:27
وعِندَما وَصَلوا بِهِ إلى مَكان الصَّلب، صَلَبوه. ولكن كما في حالَة الجَلد، غالِباً ما نَعبُر فَوقَ كَلِمَة “صَلَبوه” ولا نَفهَم تَحديداً ماذا تَعني. فالصَّلب كانَ يَتِم بِاستِخدام مَسامير حَديدِيَّة طَويلة (13 إلى 18 سنتيمتر) تَثقُب مِعصَمَي الضَّحِيَّة وليسَ كَفّ اليَد كما يُقال. فكَفُّ اليَد ليسَ قَوِيٌّ بِما فيهِ الكِفاية لِيَحمِل ثِقل إنسان، ولكن المِعصَم بإمكانِهِ حَمل هذا الثّقل. وكما كانَت تُثقَب أرجُل الضَّحِيَّة أيضاً بالمَسامير. هذا الأمر كانَ يَجعَل عَمَلِيَّة التَّنَفُّس صَعبة جِدّاً بَل شِبه مُستَحيلة، لأنَّ على الضَّحِيَّة أن يَسحَب نَفسَهُ إلى الأعلى لِيَتَمَكَّن من أخذ النَّفَس، ولكن لا يُمكِنهُ البَقاء في هذهِ الوَضعِيَّة بِسَبَب المَسامير التي في يَدَيهِ والحالة التّي يَكون ظَهرهُ فيها بَعدَ الجَلد. كما وأنَّهُ غَير مُتَمَكِّن من البَقاء في الوَضعِيَّة المُعاكِسة، أي أن يُلقي ثِقلَهُ على رِجلَيه، بِكَونِهِما أيضاً فيهِما مَسامير ولأنَّهُ مُضطَرٌّ على أخذ النَّفَس. فكانَ يجِب على الضَّحِيَّة تَكرار عَمَلِيَّة تَبديل الوَضعِيَّة مِراراً وتَكراراً إلى أن يَموت بِسَبَب الإرهاق.
إنَّ السَّبَب الأساسي لِلمَوت على الصَّليب هو الاِختِناق بِسَبَب الإرهاق.
المَرحَلة الأخيرة: تَأكيد المَوت
إنَّ الجُنود الرُّومان لم يَكونوا أطِبَّاء بالطَّبع، ولكِنَّهُم كانوا قَتَلة مُحتَرِفين. فكانوا يُتقِنونَ فَنّ أخذ حَياة البَشَر، حَتَّى أنَّهُ إذا هَرَبَ الضَّحِيَّة كانوا يُقتَلونَ هُم بَداله، فلِهذا السَّبَب كانوا يَتَأكَّدون بِدون أيّ شَكّ أنَّ ضَحِيَّتَهُم قَد فارَقَ الحَياة. ونَرى في الكِتاب المُقدَّس أنَّهُم كَسَروا أرجُل اللِّصَّينِ الذَينِ كانا على يَمين وشِمال المَسيح لِكَي يَجعَلوا حَتمِيَّة مَوتِهِما أسرَع.
وَلَمَّا كَانَ الإِعْدَادُ يَتِمُّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، طَلَبَ الْيَهُودُ مِنْ بِيلاطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُ الْمَصْلُوبِينَ، فَتُؤْخَذَ جُثَثُهُمْ لِئَلّا تَبْقَى مُعَلَّقَةً عَلَى الصَّلِيبِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَلاسِيَّمَا لأَنَّ ذلِكَ السَّبْتَ كَانَ يَوْماً عَظِيماً. فَجَاءَ الْجُنُودُ وَكَسَرُوا سَاقَيْ كِلا الرَّجُلَيْنِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَ يَسُوعَ. أَمَّا يَسُوعُ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ وَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ، فَلَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ. وَإِنَّمَا طَعَنَهُ أَحَدُ الْجُنُودِ بِحَرْبَةٍ فِي جَنْبِهِ، فَخَرَجَ فِي الْحَالِ دَمٌ وَمَاءٌ.
إنجيل يوحَنَّا 31:19-34
إنَّ المَسيح لم تُكسَر قَدَمَيهِ لأنَّهُ كانَ قَد ماتَ عِندَما وَصَلَ إليهِ الجُنود، ولكن لأجل تأكيد مَوتِهِ، طَعَنوهُ بِحَربَةٍ في جَنبِهِ. إنَّ العِبارة الأخيرة: “فَخَرَجَ في الحال دَمٌ وماء” لها أهَمِّيَّة طِبِّيَّة بالِغة كَوننا نَعلَم بِسَبَب تَطَوُّر الطِّب أنَّ هذهِ الظَّاهِرة تَحدُث بِسَبَب عَدَم المَقدِرة على التَّنَفُّس، فيَتَجاوَب الجِسم بِزِيادَة دَقَّات القَلب، ولكن لِقِلَّة الأوكسيجين في الدَّم يَحدُث خَلَلاً في الأوعِية الدَّمَوِيَّة ويَبدَأوا بِتَسريب المِياه من الدِّماء إلى الأنسِجة. وهذا يُحدِث تَراكُم مِياه بِجانِبَي القَلب والرِّئة2 . وعِندَما طُعِنَ المَسيح، وعِندَ ثقب الحَربَة رِئَته ووُصولِها إلى مَوقِع القَلب، خَرَجَ الماء والدَّم. هذهِ الظَّاهِرة لا يُمكِن تَزييفها.
الخاتِمة
فَفي ظِلّ الأدِلَّة التَّاريخِيَّة والطِّبِّيَّة لِمَوت المَسيح على الصَّليب، يُصبِح من الصَّعب إنكار هذهِ الحَقائِق، ولكن هذا الأمر لم يَمنَع الكَثير من المُشَكِّكين أن يُنكِروا هذهِ الأدِلَّة بِسَبَب أفكارِهِم ومُعتَقَداتِهِم السِّياسِيَّة أو الاِجتماعِيَّة أو الدِّينِيَّة. إنَّ حادِثَة صَلب المَسيح ومَوتِهِ حادِثَة مُعَزَّزة بالتَّاريخ والحَقائِق، كما أنَّها مُثبَتة طِبِّيّاً.
فَالْوَاقِعُ أَنِّي سَلَّمْتُكُمْ، فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، مَا كُنْتُ قَدْ تَسَلَّمْتُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَفْقاً لِمَا فِي الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَفْقاً لِمَا فِي الْكُتُبِ.
رِسالة بولُس الرَّسول الأولى إلى أهل كورِنثوس 3:15-4
الكاتب: الأخ كمال
Minister & Theologian
مقالات مُشابِهة
هل حَقّاً صُلِبَ المَسيح ؟
كيف صار المسيح لعنة لأجلنا؟
درب الصليب