Crucifixion of Jesus Christ in darkness

في العهد القديم كان الإسرائيليُّون يقدِّمون ذبائح لله كي يرضى عنهم ويغفر خطاياهم كإشارة إلى المسيح (الذَّبيحة الحقيقيَّة) وذلك بحسب ما أمرَهم الله في شريعة موسى، أمَّا في العهد الجديد فقد أُبطِلَت تلك الذَّبائح جميعها بعد أن قدَّم يسوع المسيح يسوع نفسه ذبيحة لله مرَّة واحدة وإلى الأبد، وبذلك لم يعد مطلوب منَّا كمؤمنين مسيحيِّين أن نقدِّم ذبائح حيوانيَّة كما يفعل البعض حتَّى الآن من الأديان الأُخرى للتَّكفير عن الذُّنوب، لأنَّ ذبيحة المسيح كافية وشاملة وشافية.

لكن يطلب منَّا بولُس الرَّسول في إحدى رسائله أن نقدِّم أجسادنا ذبيحة حيَّة لله: ‬

“وَلِهَذَا فَإنِّي أرْجُوكُمْ أيُّهَا الإخْوَةُ، فِي ضَوْءِ رَحمَةِ اللهِ، أنْ تُقَدِّمُوا حَيَاتَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مُرضِيَةً للهِ. فَهَذِهِ هِيَ عِبَادَتُكُمُ الرُّوحِيَّةُ اللَّائِقَةُ بِهِ.” (رسالة بولُس إلى أهل روما 1:12) ت.ع.م

بالطَّبع لم يقصد بولُس في هذه الآية أن يقتل كل واحد منَّا نفسه ويقدِّمها ذبيحة لله كذبائح العهد القديم، بل كان يقصد أوجُه شَبَه أُخرى بين الذَّبيحة وحياة المؤمن، ومنها:

  1. التَّكريس بحسب مشيئة الله: لم يكُن من الممكن أن تُقدَّم الذَّبائح وفق ما يريده أو يستحسِنه الكهَنة، بل فقط بحسب ما أوصى به الرَّب حرفيّاً في الشَّريعة، أي لا يمكن أن تُقدَّم ذبيحة بعكس ما أمرَ به الله. وهكذا المؤمن أيضاً يجب أن تكون عبادته وتكريسه لله وفق ما أعلنه الله في كلمته وليس وفق ما يراهُ هو مُناسباً له.

“وَبَعدُ، فَإنَّنا نَطلُبُ مِنكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ أنْ تَحيَوا حَياةً مُرضِيَةً للهِ، فَهَذا ما تَعَلَّمتُمُوهُ مِنّا وَتُمارِسُونَهُ بِالفِعلِ. غَيرَ أنَّنا نُرِيدُكُمْ أنْ تَتَقَدَّمُوا أكثَرَ فِي ذَلِكَ.” (رسالة بولُس الأولى إلى أهل تسالونيكي 1:4) ت.ع.م

  1. التَّكريس الكامل: وكما كانت ذبيحة المحرَقة تُقدَّم بالكامل لله وتُحرق على المذبح دون أن يأخذ منها الكهنة أيّ قطعة للأكل، وذلك لكَونها مكرَّسة تكريساً كُلِّيّاً للرَّب. هكذا المؤمن أيضاً يجب أن تكون حياته مكرَّسة بالكامل للرَّب الذي فداه، أي يجب أن يُخصِّص مواهبه ووقته وأمواله لخدمة الله وعبادته، وبذلك يكون ذبيحة حيَّة على مذبح التَّكريس.

“كُونوا أنتُمْ أيضاً حِجارَةً حَيَّةً لِبِناءِ هَيكَلٍ رُوحِيٍّ، فَتَكونوا كَهَنَةً مُقَدَّسِينَ، تَخدِمونَ اللهَ بِتَقدِيمِ ذَبائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ.” (رسالة بطرس الأولى 5:2) ت.ع.م

  1. التَّكريس الدَّائم: وكما كانت الذَّبائح تُقدَّم لله بشكل دائم ومستمرّ في الصَّباح والمساء، هكذا يجب أن تكون حياة المؤمن مُكرَّسة لله دون توقُّف، أي أن لا يخدم الله لفترة من الزَّمن ثمَّ يتقاعس لفترة أُخرى، بل عليه أن يواظب على خدمته وعبادته وتسبيحه طوال مسيرة حياته لأنَّ الله يستحق منَّا التَّكريس الدَّائم.

“فَلْنُقَدِّمْ بِيَسُوعَ ذَبائِحَ التَّسبِيحِ الدّائِمِ للهِ، أيِ التَّعبِيْرَ الشَّفَوِيَّ عَنِ اعتِرافِنا بِالإيمانِ بِاسْمِهِ.” (الرِّسالة إلى العبرانيِّين 15:13) ت.ع.م

المثال الأعلى للتكريس:
وخيرُ مثالٍ يُحتذى به في التَّكريس هو المسيح الذي حين كان في الجسد كرَّسَ نفسه وحياته بالكامل وبشكل دائم لخدمة الله وطاعة وصاياه، فتعمَّد بالماء قبل أن يبدأ خدمته الفعليَّة ثمَّ ابتدأ يكرز ببشارة الإنجيل ويصنع الخير ويشفي المرضى والذين تسلَّطَ عليهم إبليس، وأخيراً قدَّم نفسه ذبيحة كاملة بلا عيب لكي يغفر خطايانا إن اتَّكلنا على دمائه الطَّاهرة التي قدَّمها لفدائنا. لذلك نحن أيضاً مدعوُّون لأن نتمثَّل به ونكرِّس ذواتنا له ولطاعة مشيئته، وبذلك تكون حياتنا على الأرض هي ذبيحة حيَّة مكرَّسة لمن فداها بنفسه.

“أمّا المَسيحُ، فَبَعدَ أنْ قَدَّمَ ذَبِيحَةً مُفرَدَةً عَنِ الخَطايا مَرَّةً واحِدَةً إلَى الأبَدِ، جَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ… فَبِذَبِيْحَةٍ واحِدَةٍ جَعَلَ المُؤمِنينَ المُقَدَّسينَ كامِلِيْنَ إلَى الأبَدِ.” (الرِّسالة إلى العبرانيِّين 12:10-14) ت.ع.م


مقالات مُشابِهة

الفرح والسلام الحقيقي
النضج الروحي المبكر
أقوال مسيحية شهيرة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.