وَعَدَ الله في العَهد القَديم عن مَسيحٍ سوفَ يأتي، وسيَكون لهُ مَكانة عَظيمة تتفَوَّق على كُل بشَر، وأنَّهُ سوفَ ُيتَمِّم وُعود الله للشَّعب، أتى يسوع وقالَ إنَّهُ هو المسيح.
أفضَل طَريقة لِنَعرِف من هو المَسيح تَتِمّ عبرَ مَعرِفَة ما قالَهُ هو عن نَفسِهِ. المَسيح هو “يَسوع” كَما وَرَد اسمهُ في الكِتاب المُقدَّس والذي يَعني “الرَّب يُخَلِّص” (إنجيل مَتَّى 21:1)¹. تَذكُر لنا الأناجيل مَواضِع عَديدة تَحَدَّثَ بِها يَسوع عن هوِيَّتِهِ، أبرَزها عِندَ مُحاكَمَتِهِ أمامَ مَجلِس الكَهَنة اليَهود بِحُضور رَئيسهِم. وفي هذهِ المُحاكَمة طَرَحَ
رَئيس الكَهَنة سُؤالاً على يَسوع:
“فَعَادَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: أَأَنْتَ الْمَسِيحُ، ابْنُ الْمُبَارَكِ؟”. (إنجيل مَرقُس 61:14).
سَألَهُ إن كانَ هو المَسيح، وهذا يَجعَلنا نُدرِك أنَّ اليَهود كانوا يَنتَظِرونَ مَسيحاً كَما وَرَدَ في كُتُبِهِم عن مَسيحٍ سَيَأتي من نَسل داوُد، وأرادَ رَئيس الكَهَنة أن يَتَحَقَّق إن كانَ يَسوع هو حَقّاً المَسيح بِحَسَب اعتِرافِهِ. تَعني كَلِمَة مَسيح (المَمسوح أو المُعَيَّن)² حَيثُ كانَ يُعَيَّن المُلوك في اليَهودِيَّة ورُؤساء الكَهَنة عبرَ مَسحِهِم بِدُهنٍ خاصّ وهو نَوع من الأطياب كإشارة للتَّعيين للمَهَمَّة الجَديدة، فالمَسيح هو الشَّخص المُعَيَّن من الله لِلقِيام بِالمَهَمَّة المُوكَلة إلَيهِ وهي أنَّهُ سَيَكون فادي البَشَر ووَسيطاً لَهُم مع الله وشَفيعاً لَهُم عِنده.
وَرَدَ في سِفر النَّبي دانيال عن شَخصٍ قيلَ عَنهُ أنَّهُ “اِبن إنسان”، التَّالي:
“وَشَاهَدْتُ أَيْضاً فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا بِمِثْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ مُقْبِلاً عَلَى سَحَابٍ حَتَّى بَلَغَ الأَزَلِيَّ فَقَرَّبُوهُ مِنْه.ُ فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِسُلْطَانٍ وَمَجْدٍ وَمَلَكُوتٍ لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ لاَ يَفْنَى، وَمُلْكُهُ لاَ يَنْقَرِضُ. ” (سِفر دانيال 13:7-14)
فالمَسيح هو الشَّخص المُعَيَّن من الله لِلقِيام بِالمَهَمَّة المُوكَلة إلَيهِ
اِبن الإنسان هذا بِحَسَب رُؤيا دانيال يَتَشارَك المَجد مع الله، من مُشارَكَة الله للعَرش إلى الحُصول على العِبادة. قَد يَعتَرِض أحَدهُم ويَقول إنَّ هذا أَمر خارِج عن المَألوف بالنِّسبة لدِيانة تَوحيدِيَّة كاليَهودِيَّة حَيثُ سَوفَ يَعتَبِر الكَثيرون أنَّ هذا شِرك، لكن وكَما يَقول أحَد اللَّاهوتِيِّين “وَحدانِيَّة الله في العَهد القَديم تَختَلِف كُلِّيّاً عن الوَحدانِيَّة المُطلَقة التي تُنادي بِها الأديان الأُخرى. فيَكشِف العَهد القَديم عن نِظامٍ لاهوتِيٍّ يُهَيِّئ لِعَقيدَة الثَّالوث ليسَ لَهُ وُجود في الأنظِمة التي تُنادي في الوَحدانِيَّة المُطلَقة.”³ رُؤيا دانيال هذهِ كَما العَديد من المَواضِع الكِتابِيَّة التي تَحوي إشارات لِشَخص المَسيح وهوِيَّتِهِ وتُثبِت هذهِ النُّقطة، لكِنَّها لم تَكُن مُكتَمِلَة المَعالِم حَتَّى أتى هذا الشَّخص يَسوع وأجابَ أمام رَئيس الكَهَنة بعدَ أن طَرَحَ عليهِ ذاكَ السُّؤال:
” فَقَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تَرَوْنَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُدْرَةِ، ثُمَّ آتِياً عَلَى سُحُبِ السَّمَاءِ!” (إنجيل مَرقُس 62:14).
أشارَ يَسوع لِنَفسِهِ على أنَّهُ الشَّخص الذي يَتَحَدَّث عَنهُ دانيال، فهو الذي سَيَأتي على سُحُب السَّماء ويُشارِك العَرش مع الله ويَجلِس عن يَمين القُدرة.
أشارَ يَسوع لِنَفسِهِ على أنَّهُ الشَّخص الذي يَتَحَدَّث عَنهُ دانيال
هل نعبد بشر؟
يَظُنّ البَعض أنَّنا نَعبُد إنسان. لكن إذا لاحَظنا شَهادَة يَسوع عن نَفسِهِ تَتَّضِح لنا أكثَر هوِيَّته، خاصَّةً في ضَوء الإيمان التَّوحيدي، أنَّ هذا المَسيح ليسَ مُجَرَّد إنسان، بَل هو اِبن المُبارَك. رَبَطَ رَئيس الكَهَنة الذي يَعلَم الشَّريعة هوِيَّة المَسيح بِبُنُوَّتِهِ لله في نَفس السُّؤال بِقَولِهِ “أأنتَ المَسيح، اِبنُ المُبارَك؟”. كانَ يَعرِف عُلَماء اليَهود أنَّ المَسيح سَيَكون لَهُ مَكانة عَظيمة، لكِنَّهُم ولِغَلاظَة قُلوبِهِم لم يُصَدِّقوا ذلك عن المَسيح يَسوع (إنجيل مَتَّى 15:13). وإن كانَ المَسيح حَقّاً اِبن الله في هذهِ الصِّيغة الأزَلِيَّة فهو مُستَحِقّ العِبادة لأنَّهُ كَما يوصَف في اعتِراف الإيمان النِّيقَوي “إلهٌ من إله، نُورٌ من نُور، إله حَقّ من إله حَقّ، مَولودٌ غَير مَخلوق، مُساوٍ للآب في الجَوهَر“. لذلك فإنَّ المَسيحِيِّين لا يَعبُدونَ بَشَراً، بَل هُم يَعبُدونَ الإله المُثَلَّث الأقانيم في وَحدانِيَّتِهِ الجامِعَة والإله الواحِد في الثَّالوث.
الإله الإنسان؟
يَذكُر الكِتاب المُقدَّس أنَّ المَسيح كانَ إنساناً يأكُل ويشرَب، يَجوع ويَعطش، يَتعَب ويَنام، يَبكي ويَفرَح، وقَد تألَّمَ وماتَ أيضاً. لكِنَّهُ ليسَ مُجَرَّد إنسان كَما لاحَظنا في بِدايَة المَقال فهوَ المَسيح ابنُ المُبارَك، وهو الإله القَدير كَما قالَ عَنهُ إشَعياء النَّبي (سِفر إشَعياء 6:9)، رَبّي كَما قالَ عَنهُ داوُد المَلِك (المزامير 1:110)، رَبّي وإلهي كَما قالَ لَهُ تُوما الرَّسول (إنجيل يوحَنَّا 28:20)، إلهنا ومُخَلِّصنا كَما يَقول عَنهُ بطرُس (رِسالة بطرُس الثَّانِية 1:1).
ويشرَح لنا بولُس الرَّسول هذهِ الحَقيقة إذ يَقول:
“فَفِيهِ سُرَّ اللهُ أَنْ يَحِلَّ بِكُلِّ مِلْئِهِ…” (رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل كولوسّي 19:1)،
وقالَ عَنهُ يوحَنَّا البَشير:
” وَالْكَلِمَةُ صَارَ بَشَراً، وَخَيَّمَ بَيْنَنَا، وَنَحْنُ رَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدَ ابْنٍ وَحِيدٍ عِنْدَ الآبِ، وَهُوَ مُمْتَلِىءٌ بِالنِّعْمَةِ وَالْحَقِّ.” (إنجيل يوحَنَّا 14:1)
- G2424 – iēsous – Strong’s Greek Lexicon (kjv) (blueletterbible.org)
- H4899 – māšîaḥ – Strong’s Hebrew Lexicon (kjv) (blueletterbible.org)
- الله معنا و من دوننا by عماد شحادة (goodreads.com)
مقالات مُشابِهة
الأساسيات في المسيحية
لماذا جاء يسوع إلى العالم؟
عيسى أو يسوع…أو يشوع؟