ماتَ زوجها وهي حامل بطِفلها الأوَّل، فتحمَّلت الإهانة وصبرَت على مُعاناتها، لكن ماذا حصل معها في النِّهاية؟
كم كانت نوال سعيدة في يوم زفافها فهي أحبَّت كميل منذُ الصِّغر فهو اِبن جيرانهم ورفيقها على مقاعد الدِّراسة، وقد أمضَيا عامهُما الأوَّل بعد الزَّواج بسعادة لا توصف. لكن حادِثاً في العمل أَودى بحياته وهي حامل في شهرها الخامِس، وبالرّغم من مصابها الأليم إلَّا أنَّ أهل زوجها لم يرحموها حيثُ تغيَّرت مُعامَلتهم معها وراحوا يصِفونها بالنَّحس عليهم وبأنَّها كانت فأل شَرّ على وَحيدهم.
كانت تتحمَّل كل شيء منهم ورفضَت العودة إلى منزل أهلها وبَقِيَت مع أهل زوجها الذين يُسيئون لها طوال الوقت. وبعد أن تمَّت تسوِية الأوراق القانونيَّة قبضَ أهل زوجها مبلغاً كبيراً من المال كتَعويض من التَّأمين الذي يُغطِّي أضرار العامِلين في المصنع الذي وقعَ فيه الحادث المؤسِف. لكنَّ نوال حينها لم تُطالب أحد بشيء ولم تتفوَّه ببِنتِ شَفة.
مرَّت أشهُر الحَمل ووضعت نوال طِفلها وأسمَتهُ كميل على اِسم والده، وكم كانت فرحة أهل زوجها كبيرة بحفيدهم لكنَّ مُعاملتهم لم تتغيَّر معها، فحاوَلوا طردها من منزلهم بعد أن تمَّ فِطام الصَّبي، كانوا يقولون لها: أنت لا زلتِ صغيرة وجميلة فاترُكي لنا حفيدنا وغادِري وتزوَّجي مُجدَّداً، لكنَّها لم تبعتد عن صغيرها قيد أُنمُلة ورَبَّتهُ بكل حنان، كانت تجلس بقُربهِ ترعاه وتعمل بالتَّطريز وتبيع الشَّراشف المُطرَّزة بأسعار جيِّدة، وقد ساعدَت أخوات زوجها في أعراسهنّ وخدمت أهله في مرضهم .
ثمر المعاناة
وبعد عدَّة سنوات، وحين كانت حماتها على فِراش الموت استدعَتها وقالت لها: سامحيني يا ابنتي لأنَّكِ كُنتِ خيراً لي من عشرَةِ بَنين، ليُكافِئكِ الرَّب خيراً على كل ما صنعتهِ معي، فقد ظلمناكِ وعامَلناكِ أسوأ مُعاملة لكنَّكِ لم تَرُدِّ الإساءة بمثلها، قبَضنا النُّقود التي هي من حقِّك وحقّ طِفلك ولم تُطالبينا بها، ليس ذلك فقط، بل رَحمتينا وخدَمتينا وكأنَّنا أهلكِ. فكيفَ استطعتِ رحمَة من لم يرحمكِ؟
فتبسَّمت نوال وقالت لها: لأنَّني أحببتكُم كما أوصاني زوجي، فهو الذي قال لي: أهلي طَيِّبونَ جدّاً من الدَّاخِل وهُم لا يعرفون ماذا يقولون فإن أساؤوا إليكِ يوماً ما فسامحيهم من أجلي.
فارقَ حموَيها الحياة، وتغيَّرت مُعامَلة أخوات زوجها معها للأفضَل بعد أن غادرَت كل واحدة منهنَّ إلى منزل زوجها. وبقيَ المنزل الكبير مع الحدائق المُحيطة به لها ولطِفلها. كانت نوال مِثالاً صالِحاً لِابنها الذي ربَّتهُ على الرَّحمة والغفران لزَلَّات الآخرين، فكَبُرَ وأصبحَ بارّاً بها وعوَّضها عن سنوات المُعاناة التي عاشتها في حياتها.
العبرة
كُن مظلوماً ولا تكُن ظالِماً، كُن رَحوماً فيَرحَمكَ رَب السَّماء فهو الذي يقول:
“طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ سَيُرْحَمُونَ.” (إنجيل متَّى 7:5)
وهو الذي قال أيضاً:
“… أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ؛ أَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكُمْ؛ بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ؛ صَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. وَمَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ، فَاعْرِضْ لَهُ الْخَدَّ الآخَرَ أَيْضاً. وَمَنِ انْتَزَعَ رِدَاءَكَ، فَلاَ تَمْنَعْ عَنْهُ ثَوْبَكَ أَيْضاً. أَيُّ مَنْ طَلَبَ مِنْكَ شَيْئاً فَأَعْطِهِ؛ وَمَنِ اغْتَصَبَ مَالَكَ، فَلاَ تُطَالِبْهُ. وَبِمِثْلِ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يُعَامِلَكُمُ النَّاسُ عَامِلُوهُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً.” (إنجيل لوقا 27:6-31)
مقالات مُشابِهة
الكل باطل وقبض الريح
القاعدة الذهبية
اغضبوا ولا تخطئوا