كانت تبحث عمَّن يستحقّ أن تترك له ميراثها، فكيف اختارت الشَّخص المناسب؟
اسمها حنَّة، وهي سيِّدة متديِّنة طاعنة في السِّن ناهزَ عمرها الثَّمانين. ترمَّلت دون أن تُنجِب، ووَرثت عن زوجها أراضٍ كثيرة وأموال، وقد عُرِفت في قريَتها بحِكمتها وتقواها وكرَمها، ولطالما ساعدت كلّ محتاج ولم ترُدّ يوماً أحداً طرقَ بابها.
وذاتَ يوم، أصابها عارِض صحِّي، وبعد شفائها راحت تراجع كل حساباتها إذ شعرت بدُنوّ الموت منها، وقرَّرت أن تبحث عن عائلة تستحقّ أن تورِّثها كل شيء قبل وفاتها، وذلك ﻷنَّ أقاربها وأقارب زوجها كانوا ينتظرون وفاتها بفارغ الصَّبر لكي يتقاسموا الميراث فيما بينهم مع أنَّهم جميعاً ليسوا بحاجة إلى شيء، فجميعهم يمتلكون العقارات واﻷموال. راحت السَّيِّدة حنَّة تبحث بلا هوادة عن أحدٍ يستمر في إدارة أموالها بحِكمة بعد وفاتها. وفي تلك اللَّيلة لم يغمض لها جفن، وصلَّت للرَّب بلَجاجة كي يقود اختياراتها، وفي اليوم التَّالي دعَت جميع سيِّدات القرية إلى مأدُبة غداء أقامتها في بيتها، وصارت تتحدَّث معهنَّ وتسأل كل واحدة منهنَّ ماذا ستفعل لو ربحت مبلغ ألف دولار أمريكي في المسابقة التي ستلعبها معهنَّ، وذلك ﻷنَّ السَّيِّدة حنَّة قالت في نفسها: إنَّ من تقدر على إدارة مبلغ صغير ستكون قادرة على إدارة ثروة كبيرة.
كانت كل سيِّدة تعطي إجابتها، لكنَّ حنَّة لاحظت بأنَّ إحدى السَّيِّدات الصَّغيرات في السِّن غير مهتمَّة بالمشاركة في اللُّعبة على عكس الأُخرَيات المتلهِّفات للفوز، بل كانت تساعد الخادمات بعملهنَّ، فاستدعتها حنَّة وقالت لها: وأنتِ يا ابنتي لماذا لا تشاركين معنا في اللُّعبة؟ وماذا ستفعلين بالجائزة النَّقديَّة إن ربحتِها؟ فردَّت ياسمين وقالت: إن كانت هذه هي رغبتكِ فسأُشارك معكم، وإجابةً على سؤالك إن ربحتُ الجائزة فسأُساعد بعض العائلات الفقيرة التي أعرفها، وسأشتري بالمبلغ المتبقِّي قرطاسيَّة لبعض التَّلاميذ الفقراء. سألتها حنَّة: ولماذا لا تحتفظين لنفسكِ بشيء من المبلغ؟ أجابتها باختصار: لأنَّني يا سيِّدتي لستُ بحاجة لشيء. ثمَّ قالت لها السَّيِّدة حنَّة: وإن ورِثت مبالغ طائلة؟ ردَّت ياسمين: والدي لم يكُن غنيّاً، وزوجي كذلك، لكنَّنا مُكتفينَ بما لدينا والحمدُ لله، لكن إن كانت مشيئة الله لحياتي أن أكون مسؤولة عن أموالٍ كثيرة، فسأطلُب معونته كي يرشدني أين يجب أن أستثمرها وكيف، وسأتبع إرشاده لأنَّه سيقودني بكل تأكيد.
بعد مرور السَّنوات وبعد أن تركت السَّيِّدة حنَّة كل ثروتها لياسمين، شُيِّدَت مدرسة مجَّانية حديثة في القرية، وتمَّ بناء المكتبة والمستوصف والحديقة العامَّة التي حملت اِسم “حديقة السَّيِّدة حنَّة”، وهكذا استطاعت حنَّة حتَّى بعد مماتها أن تستثمر أموالها بحِكمة لمساعدة كل محتاج من خلال اختيارها الصَّحيح للسَيِّدة ياسمين الحكيمة أيضاً، والتي استطاعت أن تُدير تلك المبالغ الكبيرة دون تبذير.
العبرة
حين يُنعِم الله عليك بالأموال والخيرات، فحاول أن تتشارك جزءاً من أموالك في مساعدة المحتاجين الذين ربما لا يملكون قوت يومهم، واتخذ قراراتك بشكل سليم وبقيادة إلهيَّة، فمن يطلب الحِكمة سيجد البصيرة الرُّوحيَّة ويَحيا مرتاح البال والضَّمير.
“وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى الْحِكْمَةِ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ. فَسَيُعْطَى لَهُ.” (رسالة يعقوب 5:1)