لأنَّ الله عادِل، فهو لا يقوم بالصَّفح عن خطايانا بدون ثمَن. وبما أنَّ خطايانا قد فَصلَت بيننا وبين الله، لا يُمكن لنا أن نُقدِّم له شيئاً عِوَضاً عن تلك الخطايا. فالمسيح هو رجاؤنا المؤكَّد، من دَفَع ثمَن خطايانا بدمه على الصَّليب وقام من الموت ليُعطينا هذا الرَّجاء.
عَدالَة الله تتجلى على صَفَحات الكِتاب المُقَدَّس، فالله يقضي بكل صواب.
“اللهُ قَاضٍ عَادِلٌ، وَهُوَ إِلَهٌ يَسْخَطُ عَلَى الأَشْرَارِ فِي كُلِّ يَوْمٍ.”
سِفر المَزامير 11:7
والصَّائِب هو أن يعاقب كُل خاطِئ مُذنِب وكلنا خاطئون مذنبون. ما حَلّ هذهِ المُشكِلة؟ كيفَ لنا أن نَهرُب من عَدل الله؟ هل التَّوبة وَحدَها تَكفي؟ أم أنَّ على الخاطِئ أن يُعَوِّض عن خَطاياه بِأعمالٍ حَسَنة؟
مفهوم الخطيئة
في المَفهوم السَّائِد للخَطيئة في العالَم، كُل ما على الإنسان أن يَفعَلهُ هو أن يَندَم على خَطيئَتِهِ وأن يَتوب عنها ويُغَيِّر مَسار حَياته. ولكن بِما أنَّ الله عادِل، فكَيفَ لَهُ أن يَغفِر ذُنوب الخَطَاه ويَبقى عادِلاً؟ فإذا اعتَبَرنا أنَّ المَشهَد نَفسَهُ حَصَلَ في مَحكَمَةٍ أرضِيَّةٍ، فهَل يُمكِن للقاضي أن يَعفو عن المُجرِم الذي سَرَق البَنك وقَتَلَ حارِسَهُ؟ بالطَّبع لا يُمكِنهُ فِعل ذلك. وحتَّى لو نَدِمَ المُجرِم وتاب، فهذا الأَمر لا يُلغي جُرمَهُ، والقاضي مُلزَم بتَطبيق القانون وبالتَّالي مُعاقَبَة هذا المُجرِم. فَعَدالَة الله تَفرِض على المُجرِم (الخاطِئ) العِقاب ولا يُمكِن لِمُجَرَّد اعتِذار أو تَوبة أن تَعفو عَنهُ.
عدالة الله في الكتاب المقدس
في مَفهوم الأديان في العالَم، أساس العَلاقة الصَّحيحة مع الله هي الأعمال الحَسَنة. وهذا المَفهوم أصبَحَ قاعِدَة لِأغلَبِيَّة الأديان . ولكن في قانون القاضي العادِل نَفسَهُ، هل يُمكِن لِقاضٍ عادِلٍ أن يَرتَشي؟ في هذه الصورة تَناقُض كَبير وهو بينَ كَلِمَة “عادِل” و “يَرتَشي”. فكَما يُحاوِل المُجرِمون في جَميع بُلدان العالَم أن يَرشوا القُضاة بالمال مُقابِل حُرِّيَّتهم، كذلكَ تَعتَقِد الأديان أنَّ بإمكانِها رَشوَة الله بالأعمال الحَسَنة. ولكن الكِتاب المُقَدَّس يُعَلِّم العَكس عن طَبيعَة الله وعن كَيفِيَّة غُفرانِه. فَعَدالَة الله لا تَعتَمِد على ميزان لقِياس كَمِّيَّة الأعمال الحَسَنة مُقابل الخَطايا.
تَعتَقِد الأديان أنَّ بإمكانِها رَشوَة الله بالأعمال الحَسَنة
تَجتَمِع عَدالَة الله (مُعاقَبَة المُذنِبين) ورَحمَتهُ (مَحَبَّتهُ لَهُم) في صَليب المَسيح، الإله المُتَجَسِّد. فالله بِنَفسِهِ صارَ إنساناً وعاشَ حَياةً كامِلة خالِية من الخَطيئة، وصُلِبَ وماتَ لأجل آثام الخُطاة، آخِذاً عِقابَهُم الذي يَستَحِقُّونَهُ. ومن ثمَّ قامَ مُنتَصِراً على المَوت لِتَبرير كُل من يؤمِن بالخلاص. فَيُعلِن الله بِكِتابِهِ أنَّ جَميع البَشَر خُطاه:
“لأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أَخْطَأُوا وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ بُلُوغِ مَا يُمَجِّدُ اللهَ.”
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 23:3
فإنَّ جَميع البَشَر وبِدون أي استِثناء سَقَطوا تحتَ لَعنَة الخَطيئة وعَجِزوا عن إرضاء الله بِأنفُسِهِم.
وَلَكِنَّ اللهَ أَثْبَتَ لَنَا مَحَبَّتَهُ، إِذْ وَنَحْنُ مَازِلْنَا خَاطِئِينَ مَاتَ الْمَسِيحُ عِوَضاً عَنَّا.
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 8:5
وبالتَّالي الله بِنَفسِهِ قَدَّمَ عَنَّا ما لا يُمكِن لنا تقديمه، الكَفَّارة. لم يَكُن بإمكان أعمالِنا ولا تَوبَتنا المُزَيَّفة أن تُكَفِّر عن خَطايانا.
والآن الله يَأمُر الجَميع أن يَتوبوا عن خَطاياهُم (أعمال الرُّسُل 30:17) وأن يؤمِنوا بِشَخص المَسيح وتضحيته لأجلِهِم على الصَّليب. وكُل من يؤمِن بيَسوع المَسيح كَمُخَلِّص -وَحيد- قَد دَفَعَ فِديَتَنا في المَحكَمة، يَنال الحُرِّيَّة (رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 1:8) فَخَلاص الله لا يُمكِن أن يُشتَرى بِأعمال أو بِأقوال، لأنَّ ثَمَنَهُ أغلى من ذلكَ بِكَثير، وهذا الثَّمَن قَد سَدَّدَهُ هو بِنَفسِهِ، جاعِلاً الخَلاص من الخَطِيئة والعِقاب بِنِعمَتِهِ من خِلال الإيمان (رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل أفَسُس 8:2-9) فالإنسان إذاًغَير قادِر على تَقديم أي شَيء فِديَةً عن روحِهِ.
فَمَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُقَدِّمُ الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟
إنجيل مَرقُس 36:8-37
الكاتب: الأخ كمال
Minister & Theologian
مقالات مُشابِهة
ألقِ على الرب همك
ما هو الإيمان؟
الألم المبارك