يوجد العديد من أنواع الألم في هذه الحياة. أمَّا بالنِّسبة للمؤمن، فألمه يكون مُمَجِّداً لله. وسوف نرى في هذا المقال سبب دعوة هذا الألم بالمُبارَك.
إنَّ كَلِمَة “ألَم” تَجلِب مَعَها مَعنى سَلبي وحَزين، فكَيفَ يُمكِن جَمعها مع كَلِمَة “مُبارَك”؟ كَلِمَة مُبارَك استُخدِمَت مِراراً وتَكراراً في الكِتاب المُقدَّس للإشارة إلى بَرَكَة الرَّب على شَيءٍ ما أو لِدَلالَةٍ على أنَّ شَخصاً ما قَد أُنعِمَ عليهِ بِبَرَكَة من الرَّب. فَهذهِ الكَلِمَة “مُبارَك” تَحمِل مَعنى إجابي جِدّاً. والألَم المُبارَك في الكِتاب المُقَدَّس لَيسَ ألَماً جَسَدِيّاً على الإطلاق، بَل هو الألَم الروحي إذا صَحَّ التَّعبير. والمَقصود بِهِ أن يَتألَّم المؤمِن بِحَسَب مَشيئَة الرَّب. والنَّوع المُعَيَّن من هذا الألَم الذي سَنَتناوَلهُ اليَوم هو ألم الاِضطِّهاد. فالرَّب لم يُخفِ هذهِ الحَقيقة عن أولادِهِ، وأعلَنَها في رِسالة بولُس إلى تَلميذِهِ تيموثاوُس قائِلاً:
وَحَقّاً، إِنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ يَعْزِمُونَ أَنْ يَعِيشُوا عِيشَةَ التَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ.
رِسالة بولُس الرَّسول الثَّانِية إلى تيموثاوُس 12:3
إذاً الحَياة المَسيحِيَّة لَيسَت حَياة راحة دائِمة على هذهِ الأرض، والرَّب يَسوع المَسيح أعلَمَنا بذلك عِندَما قال:
أَخْبَرْتُكُمْ بِهَذَا كُلِّهِ لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلامٌ. فَإِنَّكُمْ فِي الْعَالَمِ سَتُقَاسُونَ الضِّيقَ…
وقَد أخبَرَ الرَّب تَلاميذَهُ بِهذهِ الحَقيقة لِيَكونَ لَهُم سَلام، ولكن كيفَ يُمكِن أن يَشعُروا بالسَّلام بَعدَما كَشَفَ لَهُم عن الضِّيق الذي سَوفَ يَعيشونَهُ؟ لذلك أكمَلَ الرَّب يسوع قولَهُ لَهُم:
…وَلكِنْ تَشَجَّعُوا، فَأَنَا قَدِ انْتَصَرْتُ عَلَى الْعَالَمِ.
إنجيل يوحَنَّا 33:16
فإنَّ غَلَبَة المؤمِن المَسيحي هي في شَخص يَسوع المَسيح وفي انتِصارِهِ على قُوَّة المَوت من خِلال قِيامَتِهِ من بَين الأموات.
فإنَّ غَلَبَة المؤمِن المَسيحي هي في شَخص يَسوع المَسيح
حياة الإضطهاد
\كَما أعلَنَ بولُس الرَّسول لِتيموثاوُس، هكَذا أعلَن الله لنا أيضاً عن حَقيقَة الاِضطِّهاد في حَياة المؤمِن. ولكن، مَتى يأتي الاِضطِّهاد؟ لا يَأتي الاِضطِّهاد على المؤمِنين المُتَكاسِلين الذينَ يَعيشونَ حَياتَهُم بِمَعزِل عن مَشيئَة الله، لأنَّ النَّاس لا تَرى فيهِم شَيئاً مُختَلِفاً عن أهل العالَم. أمَّا الذينَ يَعيشون بِقَداسة كَما أَمَرَ الرَّب في كِتابِهِ، فَهؤلاء هُم الذينَ يُضطَهَدون.
ما هو سَبَب هذا الاضطِّهاد؟ السَّبَب هو عَدَم تَقَبُّل النَّاس للقَداسة. كَما قالَ يوحَنَّا الرَّسول في إنجيلِهِ:
…إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَلكِنَّ النَّاسَ أَحَبُّوا الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.
إنجيل يوحَنَّا 19:3
فكيفَ يُمكِن للمؤمِن المَسيحي أن يَعيشَ حَياتَهُ كَأهلِ العالَم بَعيداً عن الله؟ على المؤمِن أن يُطيعَ سَيِّدهُ بِكُل ما يَأمُرهُ بِهِ. فهَل لنا أن نَقول للرَّب: “يا رَب أنا حَقّاً أُحِبُّك ولكن حَياة القَداسة صَعبة ونَتيجَتها هي الاِضطِّهاد، وأنا لا أُريد أن أُضطَّهَد”؟ حاشا لِأولاد الرَّب أن يُدلوا بِهَكذا اعتِراض أو حَتّى أن يُفَكِّروا بِهِ. فالرَّب وَعَدَ بالنُّصرة والغَلَبة، وأمَرَ تَلاميذهُ بِأن يَتَشَجَّعوا، لأنَّهُ قَد غَلَبَ العالَم. وفي رِسالَة يوحَنَّا نَرى مَن الذي يَقدِر أن يَتَغَلَّب على العالَم:
وَمَنْ يَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ إِلّا الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟
رِسالة يوحَنَّا الأولى 5:5
نتيجة الألم
ما هو الهَدَف من الألَم الذي نَشعُر بِهِ بِسَبَب الاِضطِّهاد؟ إنَّ هَدَف الحَياة المَسيحِيّة كُلّها هو أن يُشَكِّلنا الله ويُغَيِّرنا لِنُشابِه ابنِهِ القُدُّوس أكثَر وأكثَر. فَعَدَم طاعَة المؤمِن لِأمر الله بالقَداسة يؤدِّي إلى غِياب الاِضطِّهاد، مِمَّا يوصِل إلى فقدان النُّمُوّ الرُّوحي والدُّروس التي يُعَلِّمنا إيَّاها الرَّب من خِلال تِلكَ القَداسة ما يَجعَلنا نُشابِه العالَم بَدَلاً من أن نُشابِه المَسيح.
لنفرح بالإضطهاد
في سَنَة 1631، حُكِمَ بالمَوت على أحَد مؤسِّسي الكَنيسة في سكوتلاندا “روبيرت بروس” بِسَبَب بِشارَتِهِ بالمَسيح يَسوع. وفي صَباح اليَوم المُعَيَّن لإعدامِهِ، حَضَّرَت لَهُ ابنَتهُ بَيضَة كَوَجبَة إفطار، وكانَ هذا بناءً على طَلَبِهِ. وقَد تَلَذَّذَ جِدّاً بِها لِدَرَجَة أنَّهُ أرادَ أن يَطلُب مِنها بَيضَةً أُخرى! ثُمَّ تَوَقَّفَ قَليلاً وقالَ لَها: “لقَد قُمتُ بِتَناوُل وَجبَة 1الإفطار مَعَكِ في هذا الصَّباح؛ وسَوفَ أتَناوَل العَشاء مع يَسوع في المَساء”
إنَّ الحَياة المَسيحِيَّة في صِراع دائِم مع الخَطِيَّة، وجَوهَر الحَياة المَسيحِيَّة هو القَداسة لأنَّ الذي دَعانا لِكَي نَكونَ أولادهُ، هو قُدُّوسٌ بِذاتِهِ. والمُشكِلَة في ذلك أنَّ كُل من يَعيش حَياة قَداسَة في المَسيح يَسوع يَتَعَرَّض للاِضطِّهاد، لكن الحَلّ لهذهِ المُشكِلَة هو المَسيح نَفسهُ الذي غَلَبَ العالَم والذي نَجِد فيهِ انتِصارنا على الخَطيئة وسَيطَرَتِها على هذا العالَم.
الكاتب: الأخ كمال
Minister & Theologian
How the Gospel Brings Us All the Way Home. Derek W.H. Thomas. الترجمة هي ترجمة الكاتب.
مقالات مُشابِهة
هل الله يجرّبنا؟
هل يدخلنا الله في التجارب؟
يارب