في أعماق كل إنسان رغبة دفينة في البحث عن حياة الصلاح. فالنسبة الأكبر من البشر يرغبون أن يعيشوا مرتاحي البال مُستمتعين بحياة الصلاح بعيدًا عن الشر والخطيّة. فالكثير من الأشخاص يكرهون الخطيّة التي يمارسونها يوميّا، ويتمنون أن يتحرروا منها. إن بداخل البشر شوق ورغبة أن يعيشوا حياة الصلاح، لكن للأسف لا يستطيعون. فالأخلاق فضيلة غائبة فالطريق مفقود! والأمل محدود! فهل يوجد حل؟
المُمارسات الدينيّة
لقد حاول وجرب البشر طرق عديدة ليختبروا هذا الصلاح المفقود. فقد قال البعض أن الحل هو في التدين؟ فمن المنطقي انه كلما ازداد الناس تدينًا، ازدادت أخلاقهم جمالًا وحُسنًا. لكن للأسف الواقع والدراسات أثبتت عكس ذلك. ففي عام 2009 أعلن معهد GALLUP أن المصريين أكثر البلدان تدينًا في العالم، في الوقت الذي كان يعاني فيه المصريين من الأخلاق المُنحطة التي يواجهونها في الشارع المصريّ. أنا شخصيًّا كنت أتساءل لماذا لا نستطيع أن نعيش الأخلاق الحميدة خصوصًّا في بلادنا العربيّة مع أن معظم بلادنا مُتدينة؟
فالمُمارسات الدينيّة والتديّن لا يغيّر الإنسان. لقد أنتقد المسيح بشدة رجال الدين الفريسيين لأنهم كانوا يهتمون بالمُمارسات الدينيّة ويطبقونها بطريقة حرفيّة على أساس أنها هي الحل لمشكلة كل خطيّة في المُجتمع حيث قال:
أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى، نَظِّفْ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ لِيَصِيرَ خَارِجُهَا أَيْضاً نَظِيفاً! الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ كَالْقُبُورِ الْمُبَيَّضَةِ: تَبْدُو جَمِيلَةً مِنَ الْخَارِجِ، وَلَكِنَّهَا مِنَ الدَّاخِلِ مُمْتَلِئَةٌ بِعِظَامِ الْمَوْتَى وَكُلِّ نَجَاسَةٍ! كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً، تَبْدُونَ لِلنَّاسِ صَالِحِينَ، وَلَكِنَّكُمْ مِنَ الدَّاخِلِ مُمْتَلِئُونَ بِالنِّفَاقِ وَالْفِسْقِ!
إنجيل متى 28-26:23
المُحرمات والمسموحات
لقد أعتقد الناس لوقت طويل أن الحل هو في وضع قائمة بالمسموحات والممنوعات، لكن للأسف هذا لم يقدم حل. في الحقيقة إن الأخلاق الحميدة هي أمور معروفة. فمثلًا الصدق وعدم الكذب شيء جيد، لكن الى أي مدى أستطاع الإنسان أن يعيش الصدق؟ إلى أي مدى يستطيع الإنسان أن يمارس الأخلاق الحميدة؟ لقد جرب بولس هذا الحل وصرخ بعدها بوحي من الله قائلًا:
فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ رُوحِيَّةٌ؛ وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ بِيعَ عَبْداً لِلْخَطِيئَةِ. فَإِنَّ مَا أَفْعَلُهُ لَا أَمْلِكُ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهِ: إِذْ لَا أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، وَإِنَّ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَعْمَلُ.
الرسالة إلى أهل رومية 14: 7-15
إن معرفة معلومات بالمسموحات والممنوعات ليس هو الذي يعطيك الحل السحري لتعيش ما هو صحيح بل أحيانًا يضع على عاتقك مسئوليّة فعل ذلك مع استحالة قدرتك على فعله. وهذا ما أخبرنا به الوحي. فبعدها يصرخ بولس قائلًا:
فَيَا لِي مِنْ إِنْسَانٍ تَعِيسٍ! مَنْ يُحَرِّرُنِي مِنْ جَسَدِ الْمَوْتِ هَذَا؟
الرسالة إلى أهل رومية 24: 7
فهذه الآيات تُمثل الصراع الذي يجتاز فيه كل إنسان. فرغبة الإنسان الداخليّة هي فعل كل ما هو صالح، لكن عمليًّا لا يعيش هذا الصلاح الذي يتمناه… فما الحل؟
الحل هو العلاقة مع الكامل
أن تعرف معلومات بالمسموحات والممنوعات لا يمنحك الحل السحري لتختبر حياة الصلاح، وحتى ممارساتك للأمور الدينيّة والمُمارسات العقائديّة لا يمنحك الحل. المسيح ظهر في العالم ليُقدم الحل. فهذا هو سبب ظهور المسيح في العالم. المسيح ظهر في العالم ليمنح الإنسان الطريق المفقود لحياة الصلاح. فقد قال المسيح
فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.
إنجيل يوحنا 6 :14
فالمسيح لم يأتي ليؤسس دين وقواعد وقوانيين إذا عشتها ستدخل الجنة، وإذا رفضها ستدخل النار. بل جاء ليزيل أي حاجز ويعيد الإنسان مرة أخرى للعلاقة مع الله الكامل. فإذا عاد الإنسان ليكون في علاقة مع الكائن الأخلاقي الكامل الذي هو الله، كلما أزداد جمالًا وأخلاقًا. فالحل هو أن تكون في علاقة حيّة حقيقيّة مع الله وليس مع مٌمارسات دينية. فالله خلقك من البدايّة لكي يمنحك هذه النوعيّة من الحياة الإنسانيّة الحقيقيّة
فلا تضيع يومًا آخر من عمرك في ممارسات لا تمنحك أي تغيير بل أذهب وعش في علاقة حيّة حقيقيّة مع الكامل، الذي هو الله، الذي هو الوحيد القادر أن يغيّرك ويجددك وينعش حياتك بحياة النقاء والصلاح.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
أفعالنا لا تغيرنا، لكنها تعبر عن حقيقتنا
ماذا يُعلِّم الكتاب المقدس عن الحشمة؟
هل الله يريد شئ مني؟